الفاتح جبرا يكتب.. خطبة الجمعة
متابعات /شبكة الرائد الإخبارية
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد أيها المسلمون: لا يمر يوم إلا وتطالعنا وسائط التواصل الإجتماعي بفيديو لحفل عرس أو مناسبة إجتماعية يمسك فيها أشخاص بحزم من الأموال ينثرونها على المغني أو المغنية بشكل مستفز للغاية ومخالف لأوامر الله الذي ذم الإسراف والترف وعابه وتوعد أهله في كتابه؛ إذ قال تعالى: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ) الواقعة:41-45.
فإياكم -يا عباد الله- أن تكونوا من المترفين المبذرين فإن التبذير والإسراف سبب يؤدي بصاحبه إلى الكبر وطلب العلو في الأرض، قال –صلى الله عليه وسلم-: “كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة”. ، فالحديث يدل على أن الإسراف قد يستلزم الخيلاء وهي الكبر، فإن الكبر ينشأ عن فضيلة يتراءاها الإنسان من نفسه (كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق:6، 7).
فاتقوا الله -عباد الله-، فإن الله نهاكم عن إضاعة المال، ففي حديث المغيرة قال: سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال”. رواه البخاري.
والإسراف إضاعة للمال وتخوُّض فيه بغير حق، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إن رجالاً يتخوَّضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة”، وهذا كما قال الله تعالى.:(وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) [غافر: 43)
عباد الله: إن الإسراف سبب من أسباب الضلال في الدين والدنيا، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر:28]، وقال سبحانه: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) [الزخرف:5]، وقال سبحانه: (كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) يونس:12)
أيها المؤمنون: إن من عقوبة الله تعالى للمسرفين أن جعلهم إخوانًا للشياطين، فقال سبحانه: (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا.) الإسراء:26، 27
فاتقوا الله -عباد الله-، وذروا ظاهر الإثم وباطنه، واعلموا أن الإسراف يشمل جميع التعديات التي يتجاوز بها العبد أمر الله وشرعه، فالإسراف يشمل الإفراط في كل شيء في المركب والملبس والمسكن والاكل والشرب كما يشمل الإفراط في إستخدام المرافق الحيوية كالكهرباء (على قلتها) والمياه فتوبوا -عباد الله- من الإسراف كله، فإن الله دعاكم إلى ذلك فقال:((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (الزمر:53، 54.)
عباد الله: إن الله -جل وعلا- أنعم عليكم نعمًا عظيمة كثيرة، فكان من ذلك أن أغناكم بعد فقر، وأطعمكم بعد جوع، وهداكم بعد ضلالة، وفتح لكم من أبواب الخير وسبل الرزق ما لم يكن لكم على بال.
أيها المؤمنون: إن ما تصاب به النفوس عند الغنى وكثرة العرض ووفرة المال التجاوز والطغيان، قال الله تعالى : (كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) ( العلق:6، 7)
أيها المؤمنون:
إن ما نراه من إسراف وتبذير من بعض السفهاء حديثي النعمة يجب أن يجد الإستهجان من المجتمع فهو أمر مستفز لسواد المجتمع الذي يعيش حياة ضنكا في كافة المناح وهو أمر مذموم دعانا ديننا الحنيف لإجتنابه وعدم الوقوع في مستنقعه الآسن ، فاتق الله -يا عبد الله- وتب إلى الله من التفريط والتقصير، وأعدَّ للسؤال جوابًا، فإن الله سائلك عن هذا المال: من أين اكتسبته وفيم أنفقته؟ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه الغفور الرحيم ..