مصطفى أبو العزائم يكتب … في ذكرى مايو 1969 م | بعد و مسافة

0

الخرطوم | جوال الخير

رحم الله صديقنا العزيز ، الياس الأمين عبدالمحمود ، فقد كان يذكّرنا كل عام بتاريخ ثورة مايو ، التي لا يرضى منّا أن نقول عنها ( إنقلاب ) ، وقد كان رحمة الله عليه ، يقول لي : « لو لا شيوعيتك دي كان تكون زول كويس » ولا أعرف من أين جاء بهذا الزعم ، وقد عرفته مع أخي وزميلي الأستاذ نجيب نور الدين ، وكنا محررين مكلفين بتغطية الحراك السياسي بداية ثمانينيات القرن الماضي ، وكان الأستاذ الياس الأمين وقتها مديراً للمراسم بالإتحاد الإشتراكي ، لكن قيادات ذلك التنظيم كانت ترى في من لا يتوافق مع طرحها وأفكارها شيوعياً متمرداً ، خاصةً بعد أن تم إختياري ونجيب نورالدين ضمن مكتب إتحاد شباب السُّودان ، لكننا رفضنا واعتذرنا ، وقد أرشدني الأخ الكريم الأستاذ كمال الدين محمد عبدالله وكان وقتها الأمين العام لإتحاد الموظفين والمهنيين السّوداني ، أرشدني لأسلم طريقة للإنسحاب ، بعد أن سألته عن كيفية الإعتذار عن قبول تلك العضوية ، فقال لي ضاحكاً : ” الرئيس ما في زول بقول ليه ما عايز .. لكن أسلم طريقة إنك ما تمشي اي إجتماع .. وبعد غياب تلاتة اجتماعات حيتم فصلك ” .. وقد كان .


نعود لأول أيام مايو ، فقد عرف الناس اتجاهها منذ لحظة البيان الأول ، وبعد إعلان أسماء مجلس قيادة الثورة برئاسة العقيد أركان حرب _ وقتها _ جعفر محمد نميري ، وقد كان رحمه الله صاحب تاريخ وسوابق في الإنقلابات العسكرية ، وقد ضم المجلس في عضويته السيّد مولانا بابكر عوض الله ، نائباً لرئيس المجلس ورئيساً لمجلس الوزراء ، والمُقُدَم أركان حرب بابكر النور سوار الذهب ، إضافة إلى الروّاد خالد حسن عباس ، وأبوالقاسم محمد إبراهيم ، ومأمون عوض أبوزيد ، وزين العابدين محمد أحمد عبدالقادر ،وأبوالقاسم هاشم ، وهاشم العطا ، وفاروق عثمان حمدالله ، وكانت توجهات أكثر عضوية مجلس الثورة السّياسيّة ، هي توجهات يسارية ، لذلك تم تصنيف الإنقلاب على أنه إنقلاب لصالح اليسار العالمي ، خاصة وإن نائب رئيس مجلس قيادة الثورة المرحوم مولانا بابكر عوض الله كان رئيساً للقضاء ، وتقدم بإستقالته عقب قرار حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في العام 1965م ، حادثة معهد المعلمين العالي ، في الندوة التي نظمتها جبهة الميثاق الإسلامي ، وتحدث فيها طالب أعلن عن إنه ماركسي ، وتحدث حديثاً فيه مساس ببيت النبوة الكريم ، وقد فجر حديثه براكين الغضب في نفوس الطلاب المشاركين في الندوة ، التي انعقدت مساء الإثنين التاسع من نوفمبر 1965 م ، وأصدرت التنظيمات الطلابية بيانات الشجب والإدانة ، وإتهمت الحزب الشيوعي بالكفر والإلحاد ، رغم أن الحزب الشيوعي أصدر بياناً وقتها من خلال رابطة الطلاب الشيوعيين أوضح فيه إن الطالب ليس عضواً بالحزب ، لكن طلاب الإتجاه الإسلامي حولوا المعركة لتصبح ضد الحزب الشيوعي ، وصعّدوا إستنكارهم وإحتجاجاتهم ضده ، ونجحوا في تسيير المظاهرات يوم الجمعة التالي ، عقب الصلاة في عدد من المساجد ، وإتجهت المظاهرات نحو منزل الزعيم إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة ، الذي خاطب المحتجين ، وقال إن الحكومة والجمعية التأسيسية ستضع حداً لهذا الفساد ، وإن لم تفعل فإنه سينزل مع المتظاهرين إلى الشوارع لتطهير البلاد .
دخول الزعيم الأزهري بكل ثقله السياسي والوطني ، جعل بقية الأحزاب الأخرى تتجه إلى تصفية حساباتها مع الحزب الشيوعي لتنتقل المعركة إلى البرلمان ، بعد هاجمت مجموعات من تلك الأحزاب دور الحزب الشيوعي بالعصي والأسلحة البيضاء ، وتنامى المد المضاد للحزب الشيوعي ، فإنتقلت المظاهرت إلى مقر الجمعية التأسيسية ( البرلمان ) وحاصرت المقر مطالبةً بالحل الفوري للحزب الشيوعي ، وقد إستجابت الجمعية للضغوط فعقدت جلستها التاريخية ، وعلقت العمل باللوائح وتم تجاوز الدستور في جلسة الخامس عشر من نوفمبر عام 1965 م ، وتراجع موضوع الطالب سبب الأزمة ، وتقدم محمد أحمد محجوب ، رئيس الأغلبية ورئيس الوزراء بطلب إلى رئيس الجمعية برفع المادة 25 من اللائحة الداخلية لمناقشة أمر عاجل ، ثم قرأ الرئيس مقترحاً تقدّم به ستة أعضاء بأن تقوم الجمعية التأسيسية بتكليف الحكومة للتقدم بمشروع قانون يتم بموجبه حل الحزب الشيوعي السوداني ، ويحرم بموجبه قيام أحزاب شيوعية مستقبلاً أو أي أحزاب أخرى تنطوي مبادئها على الإلحاد أو الإستهتار بمعتقدات الناس ، أو ممارسة الأساليب الديكتاتورية .
كانت الجلسة تاريخية ، تحدث فيها كثيرون من بينهم وزير العدل محمد إبراهيم خليل ، ومحمد الكاروري ، والدكتور حسن الترابي ، ومحمد إبراهيم نقد من دوائر الخريجين ، وغيرهم .. لكن الحزب الشيوعي خسر المعركة ، وكان الراحل عبدالخالق محجوب قد أسمى ما دار من معارك وهجوم على مقار الحزب الشيوعي ب« عنف البادية » ولكن أصدر البرلمان قراره الذي كان له ما بعده بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان .


غداً زاوية أخرى للنظر في دوافع الإنقلاب الديمقراطية في الخامس والعشرين من مايو 1969 م ، و الذي ضم في مركز قيادته عدداً من الضباط الشيوعيين .

اترك رد