الشيوعي وأزمة التغيير الجذري .. أ.المقداد خالد | السودان الخرطوم

0

ثورة ديسمبر وما حدث بعدها أهدت لليسار التقليدي في بلادنا وخاصةً الحزب الشيوعي هديةً ينبغي أن يستفيد منها جيداً.. هذه الهدية هي تجريبهم لآلة مشروعهم الفكري والسياسي بعد عصر العولمة.. وقد اتضح لهم أن هذه الآلة بها من الأعطاب والنقائص والمشكلات ما لا يتوافق مع المتغيرات ويدعوهم للقيام بمراجعات شاملة وعميقة لها.. ولم يكن بمقدورهم اكتشاف ذلك بدقة ووضوح إلا عن طريق هذه التجربة التي حدثت بعد ثورة ديمسبر.الحزب الشيوعي السوداني ما زال غارقاً في مشروعه الفكري الكلاسيكي الذي يرى أن جميع المشاكل السياسية والإقتصادية والإجتماعية سببها المشكلة الطبقية التي تحدثها الأنظمة الرأسمالية في علاقات الإنتاج التي ترسمها، وتفسير ذلك أن الأنظمة الرأسمالية تعمل على مصالح الطبقات البرجوازية والتي ترتبط مصلحتها في امتيازاتها الشخصية والتي تنصب في مصالح القوى الاستعمارية لا مصلحة المجتمع، وأن الرأسمالية بفعل بناها التحتية هذه تحولت إلى منهج للحياة في بناها الفوقية أي له تمظهراته السياسية والإجتماعية لا الاقتصادية فقط، ومازال الشيوعي غارقاً في خطه السياسي (المظلم) الذي يرى أن الحل في (الثورة الإجتماعية) التي تحدث (التغيير الجذري) الذي يستأصل جميع العلاقات الرأسمالية سواءً في نسقها السياسي أو الاقتصادي أو الإجتماعي، وأن أي حلول سياسية هي نوع من (الهبوط الناعم) الذي سيعيد انتاج نفس النظام الرأسمالي وإن لم يحدث هذا التغيير الجذري فلن تحدث أي ديمقراطية حقيقية.. يضع الحزب الشيوعي أمامه هذا الخط السياسي دون أن يضع أي إجابة له عن تساؤلات أساسية كخارطة الطريق والكيفية والوسائل التي سيحقق بها هذا التغيير الجذري العنيف وكيف سيحشد الناس ويقنعهم بهذا الطرح وأسئلة أخرى.. وفي الحقيقة فإن الحزب الشيوعي لا يملك أي إجابات على هذه الأسئلة.. بل يكتفي بــ(هتافات الشوارع والنشيد) منتظراً بذلك في كل مرة قيام انتفاضة شعبية بنفسها عن طريق ترهل النظام الحاكم وضعفه وتكالب الأزمات عليه ثم يمتطيها بهذه الهتافات وينتظر أن يأتي قوش جديد يفتح له الطريق للقيادة ثم يتفاجأ بعدها أن هذا الطريق لا يُحدث له التغيير الجذري الذي يسعى له.على الحزب الشيوعي أن لا يكابر ويعترف بأنه يحتاج لمراجعة جوهرية لمشروعه الفكري وخطه السياسي المظلم هذا.. حيث اتضح أنه لا يجدي له شيئاً غير الاحتراق وقوداً لمشروع غيره.. وأن فكرة التغيير الجذري لا تجدي في هذا العصر وهذا للأسباب التالية :1) مشروع التغيير الجذري هو ليس مشروع مواجهة حزب أو حكومة إنما هو مشروع مواجهة دولة كاملة بمؤسساتها الأمنية، ومن غير المنطقي مواجهة مؤسسات أمنية تحمل منظومات حربية ودفاعية برية وجوية متطورة بجيشك الذي لا يتعدى قوامه عشرة آلاف جندي وليست لديه منظومة اسلحة ثقيلة متطورة كمنظومات الصواريخ وليس لديه سلاح جو ولا منظومة دفاعات جوية متطورة.. إلا في حالة امتلاكك لاسناد دولي خارجي يشكل لك رافعة أمنية قوية.. وكما يعلم جيداً الحزب الشيوعي فإنه لا يمتلك أي قبول خارجي يمكن أن يسنده عسكرياً سوى دولة واحدة في الإقليم ولا تستطيع أن تفتح له اسناد عسكري واسع.إن سياسة التغيير الجذري كانت مجدية في زمان لينين حيث كانت تستطيع الثورة البلشفية مواجهة نظام كيرينسكي الذي لا يحمل إلا بالنادق والتي حاذ عليها الثوار.. ولكن معادلة القوى اختلفت كثيراً اليوم.2) نظراً لأن المشكلة الطبقية هي القضية المحورية في نضال الحزب الشيوعي فإنه يعتمد على الطبقات العاملة في إنشاء الثورة الإجتماعية التي يسعى لها، لذلك نجد أن جميع أدبياته تتركز على هذه الطبقة حتى أنه شرع لها الدكتاتورية فيما سماه ماركس وانجلز (دكتاتورية البروليتاريا).. فبغير انتفاضة هذه الطبقة لن تقوم الثورة الإجتماعية.. المأزق في هذا اليوم أمام الحزب الشيوعي أن هذه الطبقة قد اندمجت في هياكل ما يسميه الحزب العلاقات الرأسمالية، سواءً في البنى الفوقية أو التحتية، أي سواءً العلاقات الرأسمالية السياسية (حيث أصبحت هذه الطبقة تشكل غالب عضوية كثير من الأحزاب المناوئة للحزب الشيوعي في فكرته) أو العلاقات الرأسمالية الإقتصادية (حيث اندمج جزء كبير من هذه الطبقة في مؤسسات القوى الإقتصادية الرأسمالية أو مؤسسات الدولة وتبوؤا فيها مناصب وارتبطت منافعهم بها) أو العلاقات الرأسمالية الإجتماعية (حيث ارتبط وجدانياً واجتماعياَ جزء كبير من هذه الطبقة مع قوى دينية أو طائفية أو قبيلية لها امتيازات في المجتمع).. إن هذا التعقيد والتشابك الطبقي بين طبقات المجتمع يعقد على الحزب الشيوعي مسألة قيام الثورة الإجتماعية، لأنه يصعب عليه أن يزرع الوعي في جميع هذه الأجزاء المتداخلة من الطبقة العاملة أن أحزابكم أو مؤسساتكم أو جماعاتكم وطوائفكم وقبائلكم هي أساس مشاكلم ونهب ثرواتكم !!في زمان لينين لم تكن الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية بهذا التداخل الطبقي الواسع، فكان من السهل تقسيم المجتمع إلى طبقات وعزل الطبقة البرجوازية ثم الانتفاضة عليها.. ولكن الآن بعد أكثر من ستين عام من عصر القوميات الثالية حيث الاجتياح الرأسمالي لم يسلم منه أحد فإن التمايز في المجتمع ما عاد على أساس طبقي بل طغت أنواع أخرى من التمايز كالتمايز السياسي والعرقي والطائفي والديني والأيدولوجي.3) لم تعد معايير التصنيف الطبقي التي وضعها ماركس استناداً على النمط الإنتاجي القديم المعتمد على قوى الإنتاج وأدوات الإنتاج فقد دخلت أنماط جديدة من الإنتاج مع سيطرة الإعلام والتسويق والتكنلوجيا.على الحزب الشيوعي أن يتعامل مع هذه المتغيرات وأن يجدد في مشروعه الفكري والسياسي، ولا يلزم أن يجاري النسخة الليبرالية المعدلة من الفكر الشيوعي التي انتهجها ابناء مدرسة فرانكفورت إنما له اسوة في حركات (اليسار الديمقراطي) التي انتشرت عالمياً وأصبحت أكثر عملية وخطورة في التدافع مع القوى الإمبريالية من التقوقع في أطروحات أكل الدهر عليها وشرب.

اترك رد