زهير السراج يكتب.. قواتنا في اليمن !
متابعات/ شبكة الرائد الإخبارية
على خلفية مقتل خمسة من القوات السودانية في اليمن في الشهر الماضي، بالإضافة الى ظهور عشرات القتلى والاسرى من الجنود السودانيين في الصور التي نشرتها وكالات الانباء في يونيو الماضي، لا بد أن نتساءل .. ألم يحن الوقت لسحب ما بقى من قواتنا المشاركة في الحرب التي قلبت حياة الشعب اليمنى الشقيق الى جحيم، ولم تحقق أي هدف سوى قتل وترويع الابرياء وتمزيق الوطن اليمنى الى اشلاء، وتحويل الشعب اليمنى الى اشباح، قابعا تحت ظروف مأساوية لا يتحمل رؤيتها وحش كاسر بلا رحمة ولا ضمير دعك من إنسان له قلب وعاطفة، ومن المؤسف أن نكون أحد المشاركين فيها، بدون أدنى سبب سوى الإرادة الضعيفة التي رهناها لغيرنا، وتسولا لحفنة دولارات لا تغنى ولا تسمن من جوع!
لقد بلغ عدد ضحايا الشعب اليمنى الشقيق حتى اليوم ما يزيد عن سبعين ألف بين قتيل وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، عدا ملايين النازحين واللاجئين الذى يعيشون في ظروف قاسية، ويعانون من الأوبئة والمجاعات التي قد تحصد ارواح عشرة ملايين يمنى إذا استمرت الحرب دون وصول المساعدات الى المحتاجين، كما تحذر بيانات الامم المتحدة ووكالات الاغاثة، وربما يتحول الوضع في الدولة الشقيقة الى أكبر مأساة إنسانية يشهدها العالم منذ أكثر من قرن، فلماذا نشارك في هذه الجريمة البشعة، ونحاول انقاذ الشعب اليمنى منها على الأقل بالامتناع عن المشاركة فيها!
لقد طالبتُ منذ الوهلة الأولى بالامتناع عن المشاركة في الحرب، وتكهنت بأن يطول أمدها لا سباب معروفة، الأمر الذى سيتسبب في معاناة المدنيين، بدون أن يتحقق النصر لأى طرف!
قلت حينذاك “ان تحقيق الانتصار في الحرب أمر مستحيل بسبب طبيعة الأرض الجبلية، بالإضافة الى أن الحوثيين أو (أنصار الله) كما تطلق عليهم أجهزة الاعلام، مواطنون يمنيون ينتمون لمجموعة قبائل، ويصل عددهم الى حوالى ( 5 .1 مليون)، أي حوالى (5 %) من مجموع سكان اليمن الذين يبلغ تعدادهم حوالى (30 مليون)، وليسوا مجرد حركة سياسية أو طائفية ــ كما يعتقد الكثيرون ــ يُقضى عليها بحرب خاطفة، وحتى لو حدث ذلك، فكيف يمكن، أخلاقيا وقانونيا، تبرير القضاء على مواطنين لهم حق العيش في بلادهم والتمتع بكل المزايا التي يتمتع بها الآخرون بغض النظر عن المذهب الديني الذى يعتنقونه، إلا إذا كان القانون والاخلاق والضمير الإنساني يبيح قتل الشعوب وتطهيرها وإبادتها على أساس عرقي وديني ومذهبي وفكري”!
اسم الحوثيين، الذى تطلقه بعض الجهات على جزء من الشعب اليمنى لإخفاء هويته اليمنية، يعود في الأساس الى (حسين الحوثي) الذى اسس مع آخرين (جماعة الشباب المؤمن) الدينية، و(حركة أنصار الله) السياسية العسكرية في أوائل تسعينيات القرن الماضي بغرض الوقوف ضد سياسة التهميش الذى تعانيه الكثير من القبائل اليمنية، وهو لا يُعبِّر في الحقيقة عن مكنون تلك القبائل التي لا يمكن فصلها عن الشعب اليمنى بأي حال من الأحوال، وحسين هو ابن الفقيه اليمنى المعروف (بدرالدين الحوثي) الذى كتب عدة مؤلفات ينتقد فيها المذهب السنى الحنبلي المتطرف الذى يعتنقه عدد من اليمنيين، وعندما قتل حسين في عام 2004 في احدى المعارك ضد الجيش اليمنى في عهد الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، تولى القيادة اخوه (عبدالملك الحوثي).
شارك (الحوثيون) مثل قبائل وفصائل الشعب اليمنى الاخرى في الثورة الشعبية ضد الرئيس اليمنى السابق (على عبدالله صالح)، إلا أن لعبة الموازنات السياسية العسكرية قادتهم الى التحالف مع (صالح) قبل التخلص منه لاحقا بسبب محاولته الانقلاب عليهم، ونجحوا بعد مقتله في استقطاب القبائل التي كانت موالية له، وهو ما يؤكد مدى قوتهم واتساع نفوذهم، واستحالة هزيمتهم والقضاء عليهم، وإقصائهم من معادلة السلطة في بلادهم، ولقد أثبتت ذلك الحرب الطويلة التي زادت مدتها عن ست سنوات، بل إنهم يتقدمون كل يوم من انتصار الى انتصار، بينما تدمر الحرب التي تقودها السعودية ويشارك فيها السودان، إنسان اليمن وشعب اليمن وأرض اليمن!!
لقد حان وقت الخروج من اليمن، إن لم يكن إشفاقا على شعب اليمن، فلحماية أبنائنا، وعبثية الحرب التي لا جدوى منها غير تحقيق الثراء لتجار السلاح الذين يتاجرون بدماء الشعب اليمنى ومعاناته !
ولا بد أن نتساءل عن القوات السودانية التي لا تزال تشارك في الحرب واحوالها، ولماذا تتكتم السلطات السودانية على القتلى والأسرى الذين تضج بأخبارهم الصحف ووكالات الانباء العالمية، ولماذا يظل أبناؤنا في اليمن حتى اليوم، أم انها تظن أن المعاناة اليومية والظروف القاسية لتي نعيشها تشغلنا عن متابعة ما يحدث وتتيح لها الفرصة لبيع الدم السوداني كما تشاء، بدون أن يعرف أو يسأل أحد ؟