عثمان ميرغني يكتب: جمهورية رئاسية أم برلمانية؟

0

متابعات/ الرائد نت

النُخب السياسية السودانية مغرمة لحد الإدمان بالمصطلحات.. تعشقها وتعدها وجاهة واستنارة عندما تدور حولها السجالات والمعارك الجدلية.. ومن بين هذه المصطلحات حكاية أيهما أنسب لحكم السودان جمهورية رئاسية ؟ أم برلمانية؟
الذين يحاولون تفسير أن يكون السودان رئاسياً أو برلمانياً أشبه بمن يدخل محلاً للملابس فيبحث عن ما يناسب مقاسه! بعبارة أخرى ، كأن المصطلح توصيف كامل لحالة الدولة لا يحتاج سوى من يلبسه ليصبح في حال الموصوف.. وهذا محض أوهام و خداع بصري “مصطلحي”.
الديموقراطية نفسها ليست وصفة محددة بمعايير ومقاييس لازمة، فديموقراطية “وستمنستر” في بريطانيا تختلف عن ديموقراطية أمريكا.. وتختلف عن ديموقراطية سويسرا التي لا يعرف شعبها من هو الرئيس، وتختلف عن ديموقراطية فرنسا أو ألمانيا التي يرأسها “مستشار” لا رئيس وزراء.. كلها ديموقراطيات رغم الفارق الكبير في الشكل والممارسة ومنهج الحكم والوصول إليه..
بهذا الفهم، وقبل البحث عن شكل الدولة السودانية رئاسية أم برلمانية الأجدر أن نجيب على السؤال الحتمي، هل نتبع ونلتزم بوصفات جاهزة – مثل شراء القميص من محل الملابس- أم نُفصّل للسودان وفق ظروفه ما يناسبه من نظام الحكم والإدارة؟
إذا كانت الإجابة نعم، أن نُفصِّل للسودان ما يناسبه من نظم الحكم والإدارة ، فالأوجب أن نُسقط فوراً “المصطلحات” لينشأ بديلٌ لها اجتهاد سوداني لإنتاج مصطلحات جديدة، فهو كله اجتهاد العقل البشري ونحن في السودان لسنا أقل من أي عقل أنتج مصطلحاً وفق ما يراه من معاني..
لماذا لا نسمي شكل الحكم في السودان (الديموقراطية السودانية)؟ فهي ديموقراطية لكنها لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها السوداني يضيء ولو لم تمسسه نار ..
وبناءً على هذا المنطق فلا يجدر أن نسأل نظام رئاسي أم برلماني؟ فهذه المصطلحات سقطت تلقائياً تحت طائلة استنباط نظام سوداني فريد لا يُشترط أن يكون مُشتَرىً من رَف المتجر الدولي.
“الديموقراطية السودانية” لا تحتاج إلى أي من المصطلحين “جمهورية رئاسية أم برلمانية” لأن مقتضيات الدولة التي تناسب الشعوب السودانية ستبتكر شكلاً هرمياً للدولة لا يشترط أن يتوافق مع توصيفات أي من المصطلحين”رئاسية أم برلمانية.. بعبارة أخرى لن تكون هناك حاجة لشراء علامة تجارية أخرى.
السودان دول عمرها بعد الجلاء الأخير 66 سنة (منذ 1956) ، وعمرها الحقيقي 137 سنة من لحظة دخول جيش السودان بقيادة السيد محمد أحمد المهدي إلى الخرطوم في يناير من العام 1885.
من واقع هذه السيرة الذاتية الطويلة التي اتسمت بالفشل الذريع، كان واضحاً أن علة الوطن في متلازمة السياسة والإدارة، علو التقدير السياسي فوق الإداري والتنموي، وتمثل ذلك مبكراً في رفع شعار “تحرير لا تعمير”، وكأنهما متضادان أحدهما يسقط الآخر.
تكوين دولة سودانية ناجحة يجب أن يبدأ من هنا، البحث عن مسارين منفصلين للسياسة والإدارة، ما للسياسة للسياسة وما للشعب للشعب.
كيف يتحقق ذلك عملياً؟ الإجابة ميسورة بشرط إسقاط عاملين مهمين، الأول المُسلمّات التي تكبلنا مثل القيود، والثاني الهروب من فخ المصطلحات..
سأشرح لكم..

اترك رد