عثمان ميرغني يكتب: مباراة بدون جمهور..

0

متابعات/ الرائد نت

عصر أمس عقدت لجنة “مراجعة لجنة إزالة التمكين” مؤتمراً صحفياً سبقته حملة ترويجية جاذبة للانتباه الإعلامي والشعبي. وفعلاً حققت انتشاراً واسعاً وتحولت محاورات مواقع التواصل الإلكتروني إلى عاصفة من السجالين من هم مع لجنة إزالة التمكين الأولى، ومن هم مع لجنة مراجعة لجنة إزالة التمكين. والخلاصة النهائية حرب إعلامية ستحقق أعلى إيرادات في المتابعة الجماهيرية، في عز هجير أزمة سياسية تكاد تعصف بالبلاد.
قبل أكثر من عام كتبت أنتقد لجنة إزالة التمكين – الأصل- في أسلوب عرضها للمعلومات عبر مؤتمراتها الصحفية، وقلت أن هذه الطريقة ستجذب الانتباه وتحشد الشعور الشعبي لمتابعة عمليات “التفكيك” أكثر من “التربيط”، فالدولة الوليدة الخارجة من رحم ثورة شعبية عظيمة في حاجة ماسة للإنتقال من مرحلة الثورة إلى الدولة، وأي “تشويش” يجذب الانتباه الجماهيري سيمتص حماس عملية البناء، وبدلاً من أن يتحول الشعب السوداني إلى جيوش منتجة في كل المجالات ، سيتحول إلى جماهير متفرجة في المدرجات تهتف لـ”اللعبة الحلوة” في مؤتمرات لجنة إزالة التمكين.. وفي نهاية المطاف سنحصل على دولة مثل تلك التي أدارها الخليفة عبد الله التعايشي في القرن التاسع عشر ولم تصمد أمام الجيوش الغازية التي كان جُل قوامها من السودانيين أنفسهم.. فقد نجح في إفقار البلاد بالإنشغال بالحروب لدرجة المجاعة، بعد أن حَوّل المنتجين إلى محاربين فأجدبت الحقول حينما تضخمت الجيوش.
الآن تعود العملية لكن في الاتجاه المضاد، لجنة مراجعة أعمال لجنة إزالة التمكين حشدت الانتباه الشعبي لمؤتمر صحفي عقدته أمس، و في الحال سرى طوفان الجدال والسجال في الوسائط.. و في خضم أزمة السودان الكبرى، إلتفت الجميع تلقاء حلبة الملاكمة الجانبية، حال يشبه لعبة “البوكيمون” الشهيرة، التي يطارد فيها اللاعب أجساماً إفتراضية في عالم الواقع.
بالمختصر، مجمل عملية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 تقوم على مبدأ أقرب إلى عمليات نزع الألغام التي تظل خطراً حتى بعد انتهاء المعركة، ومثل هذه العملية من الدقة والحساسية بحيث تحتاج إلى عمل قانوني دقيق في أجواء وبيئة تناسب وقار القانون وحرمته، لكن اللجنة الأولى نجحت في تحويل العملية إلى مهرجان شعبي صاخب رنان يشغل الشعب عن عملية “التربيط” لصالح عمليات “التفكيك” رغم كون الأخيرة عمليات قانونية أقرب إلى العمليات الجراحية التي يجريها الفريق الطبي في داخل غرف عمليات معقمة ومعزولة عن الأجواء الخارجية تماماً، هل رأيتم جراحاً يجري عملية جراحية وحوله جمهور يصفق له كلما فتح الصدر ليعالج القلب المعتل؟
الآن يعود المشهد لكن من الزاوية المعاكسة تماماً، لجنة جديدة لمراجعة لجنة إزالة التمكين تبدأ أعمالها بمؤتمر صحفي محفوف بطبول الترويج و صخب الإعلام وهدير الجمهور بين التصفيق والصفير.
هذا المشهد يثبت أن مشكلة السودان الأساسية هي في مفاهيم الدولة أولاً.. قبل النظر إلى تفاصيل الدراما التي تجري في شتى المجالات. المسافة شاسعة بين الخطأ والخطيئة، فالقرار الخطأ قابل للتعديل لكن المفاهيم الخطيئة تظل تنجب أجيالاً من الخطأ.
سوداننا معتل بالمفاهيم الخطأ.. ومن هنا يبدأ الإصلاح.

اترك رد