عثمان ميرغني يكتب: لا تخافوا من “الرومانسية”..

0

الخرطوم/ الرائد نت

بعد خروجي من المعتقل تشرفت بزيارة من السيد الإمام الصادق المهدي بمنزلي، كان ذلك بالضبط في يوم الخميس 4 أبريل 2019، قبل يومين فقط من بداية اعتصام القيادة الشهير.
قلت للسيد الصادق -نوّر الله قبره- من الأفضل اختيار مجلس تشريعي من مئة شخص قبل سقوط النظام ليصبح المرجعية التي تبنى عليها مؤسسات الدولة لتعجيل ملء الفراغ الدستوري فيختار رئيس الوزراء ويشكل مجلس الوزراء.
السيد الصادق رد عليَّ قائلا (هذه رومانسية)!!..
ولأني أدرك أن السيد الصادق رجل عقلاني ولا يضيق صدره بالرأي الآخر، واصلت شرحي للفكرة بمزيد من التفاصيل، كان يستمع جيدا وبتركيز، ثم قال لي (أعتقد أن فكرتك جيدة، وسأتبناها واعلنها غدا في خطبة الجمعة). وقد كان، فعلا في خطبة الجمعة 5 أبريل 2019 في مسجد السيد عبد الرحمن بودنوباوي أعلن الفكرة وطالب بتشكيل المجلس التشريعي قبل سقوط النظام.
(ومرت الأيام، كالخيال أحلام) على رأي الفنان، ولم يأبه الساسة لتشكيل المجلس التشريعي لا قبل ولا بعد سقوط النظام، ولكن قبل أيام المهندس خالد عمر يوسف ثم الأستاذ محمد الفكي سليمان أكدا على أن أول خطوة يجب أن تستكمل الآن هي تشكيل المجلس التشريعي.. ذات الفكرة التي وُصفت بأنها “رومانسية” قبل ثلاث سنوات! بل وذهب الفكي أكثر من ذلك وقال أن واحدة من أكبر الأخطاء التي ارتكبت خلال الفترة الماضية عدم تشكيل المجلس التشريعي.
كثيرا ما تُستخدم مفردة “رومانسية” لتتفيه الفكرة التي تبدو جديدة، لتعفي البعض من تكبد مشاق التفكير خارج الصندوق..
سأحكي لكم هذه القصة المدهشة..
السيد أرثر كلارك كاتب خيال علمي شهير، في العام 1945 كتب مقالا (وليس قصة) قال فيه أنه من الممكن ابتكار نظام اتصالات كوني يغطي الكرة الأرضية كلها بتثبيت ثلاثة أقمار صناعية في الفضاء بحيث تغطي كل زوايا الكرة الأرضية.. الفكرة (الرومانسية) اثارت دهشة الجميع لكونها تبدو (خيالية) لم يفكر فيها أحد، ولكن العلماء حاولوا ترجمة الفكرة إلى واقع فكان واحد من أعظم الابتكارات التي نعتمد عليها إلى اليوم في تكنلوجيا الاتصالات.. فكل ما نتمتع به من اتصالات هاتفية وتلفزيونية و اذاعية وغيرها هي من رحم تلك الفكرة (الرومانسية) التي ابتدعها كاتب خيال علمي وليس مهندس اتصالات أو خبير تكنلوجيا.
دائما الفكرة الجديدة محاربة منذ ولادتها ليس لأنها خطأ بل لأن العقل البشري المسترخي على المعهود والتقليد ينفر من تكبد مشاق الاجتهاد في تمحيص الفكرة وتمديد الخيال ليستوعبها..
هذه دعوة للتفكير كليا خارج الصندوق، بل والأجدر تحطيم الصندوق نفسه فلا حاجة لأفكار محبوسة في الصندوق.
مثلا.. لماذا لا نبتكر ديموقراطية سودانية تستلهم قيم الديموقراطيات من حيث المشاركة الشعبية في الحكم لكنها تختلف في الوسائل والأسلوب؟
لماذا لا ننتخب رئيس الجمهورية لفترة رئاسية مدتها عام واحد قابلة للتجديد سنويا بحد أقصى ثلاث دورات؟
لماذا لا نستخدم التجديد النصفي في البرلمان، كل عامين ننتخب نصف البرلمان، فتكون دورة النائب البرلماني 4 سنوات لكن الانتخابات كل عامين لنصف مقاعد البرلمان فقط.
لماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا؟ أفكار كثيرة “رومانسية” الآن ولكن بعد تطبيقها يكتشف الناس أنها مثل فكرة الأقمار الصناعية ، سببا مباشرا في القفز بالسودان إلى آفاق لم تكن في الحسبان.
حطموا الصندوق.. لتنطلق أحلامكم..ولا تخافوا من “الرومانسية”..

اترك رد