البشير محمد عبدالله يكتب: ماذا تريد منا برلين ؟

0

الخرطوم الرائد نت

كنت على استعداد تام للمراهنة على قبول قوى الحرية والتغيير للمبادرة الأممية مهما كانت شروطها أو ما تحمله وعلى عدم قدرتهم على رفضها ليس لأنهم يرونه الخيار السياسي الصحيح، ولكن لترحيبهم الدائم بمبادرات المجتمع الدولي وقراراته وعلاقاتهم بمنظوماته الدبلوماسيه ومنظماته المدنية منذ التسعينات، ولكن طالما أن الدخول في تفاوض هو خيار صحيح فكم عدد المبادرات السودانية التي طُرِحت لحل الأزمة، ابتداءً من مبادرة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك نفسه المسماة ب الطريق إلى الأمام ومروراً بمبادرته الثانية خلية الأزمة وانتهاءً بدعوة البرهان رئيس مجلس السيادة نفسه. فطالما أن القيادات السياسية ترى أن حل الأزمة يكمن في الحوار فلماذا لا يكون سودانيًا سودانيًا؟يمر السودان بأزمات سياسية منذ عهد الإستقلال ، كحال الدول الإفريقية التي خرج منها الإستعمار عقب الحرب العالمية الثانية ، ولكن دوما يعود الإستعمار وإنتهاك سيادة الدول من المجتمع الدولي عبر أوجه جديدة ومختلفة ، يتغير فيها الفاعل الدولي وفقا للظروف السياسية والإقتصادية العالمية ، ولكن المؤكد دوما هناك مستعمر جديد مع كل حالة ضف لدول الجنوب .

المجتمع الدولي : نعني به الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا القوة الناعمة : ” القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبية أو السحر أو الإقناع بدل الإرغام ودفع الأموال ” 1يتحجج مؤيدوا تدخل المجتمع الدولي في الأزمات السياسية والحروبات بأن المجتمع الدولي سيكون ضامن لنتائج المفاوضات وراعٍ وحافظ هي حجة واهية وتدل على الارتهان للمؤسسات الدولية وفيه تطبيعٌ ضمني مع تدخل المجتمع الدولي في الشؤون الداخلية.البعثة الاممية : نعني بها الفريق الذي ترسله الأمم المتحدة عبر قرار من مجلس الأمن الدولي بغرض مهمة محددة وفق القرار ، ويختلف تشكيلها وفق المهمة الموكله للفريق سواء كانت مهمة سياسية أو عسكرية تاريخ البعثة الاممية في افريقيا :قاد المجتمع الدولي عبر بعثاته الأممية آلاف المفاوضات بين الفرقاء في العالم، فهل قدَّم ضمانات لنتائج مفاوضاته؟ وهل من شيء يحركه سوى مصالح الدول الكبرى؟ والمؤسف حقيقةً أن فتح الباب على مصراعيه أمام تدخلاتٍ بهذا الشكل ربما يجعلنا نشهد توسيع مهمة البعثة الأممية وإرسال قوات أممية بعد عدة أشهر، وأن يتم تقديمها تحت بند رعاية الاتفاق الدستوري أو ربما تدريب القوات المسلحة السودانية، أو المساعدة على هيكلة الأجهزة الأمنية، ويمكن أن تُستَخدم نفس الحجج التي تم الترويج لها سابقا عندما أرسل رئيس الوزراء السابق طلب إرسال بعثة أممية مثل: “حماية ودعم الإنتقال الديمقراطي” و”منع عودة الكيزان” و”التصدي للانقلاب حال حدوثه”.

ومن المهم هنا أن نسأل أنفسنا متى دخلت الأمم المتحدة عبر بعثاتها لحل أزمة في بلد ما ومن ثم خرجت منه؟على الدوام تتدخل الأمم المتحدة في شؤون الدول الداخلية متحججةً بحل أزمةٍ محددة، وسرعان ما تنفجر أزمات جديدة، ومن ثم تتوسع الأزمات والإشكالات السياسية وتتوسع معها مهمة البعثة، وتتطور من بعثة مدنية لحل أزمة سياسية لقوات أممية لها مهمات عسكرية عبر قرار مستعجل من مجلس الأمن. ويبدو أن مهمات البعثات الأممية لن تنتهي إلى حين خروج المسيح الدجال!بقرار من مجلس الأمن الدولي بتاريخ أبريل 1991م أرسلت الأمم المتحدة بعثة “المينورسو” إلى الصحراء الغربية في المغرب للإشراف على عملية “استفتاء” في نزاع بين البوليسارو والحكومة المغربية إلا أن البعثة الأممية لم تنتهي مهمتها إلى الآن بعد 29 عاماً!، ومرت البعثة بتطورات عديدة إلى أن أصبحت بعثة مدنية بجناح عسكري!ولبعثات الأمم المتحدة تجارب أخرى في الدول الأفريقية ونذكر منها تجربة مالي، التي دخلتها الأمم المتحدة وفرنسا تحديدًا بموجب طلب من الرئيس المالي السابق، بغرض دعم العمليات السياسية والاستقرار و….إلخ.

وأعقب ذلك صدور قرار من مجلس الأمن في أبريل من العام 2013م بإنشاء بعثة “مينومسا”، ولم تنتهي مهمة البعثة إلى يومنا هذا، وكانت في الحقيقة عبارة عن بعثة أممية لتغطية العمليات الفرنسية، ثم انفتح باب التدخلات العسكرية بعد ذلك ومد الجميع يده ليحجز نصيبه من المعادن والثروات ويأكل من لحم الدولة منتهكة السيادة، فأرسلت ألمانيا قوات عسكرية ضمن قوات أوروبية أخرى تحت ذريعة تدريب القوات المالية لمحاربة الإرهاب، وهيكلة الأجهزة الأمنية، رغم اعتراضها على إرسال فرنسا لقوات عسكرية في فترةٍ سابقة واتهامها لفرنسا بأنها ليست حريصة على تحقيق السلام ومكافحة الإرهاب بل باحثة عن الذهب والألماس والكروم واليورانيوم كعادتها في الدول الفرانكفونية، ولكن ربما تحركت ألمانيا تحت شعار “الرهيفة التنقد”؛ وفي حقيقة الأمرهذا التدخل لا يتعارض مع سياسات ألمانيا الخارجية واستراتيجياتها الجديدة ، كما في تصريح وزير الخارجية الألماني شتاينماير، والذي طالب فيه بتواجد أقوى في السياسة الدولية قائلاً: “بالنظر إلى حجم ألمانيا فإن دورها لايجب أن يقتصر فقط على التعليق على السياسات الدولية. ورغم أن العمليات العسكرية يجب أن تبقى الملاذ الأخير في حل الأزمات، فلا ينبغي إبعادها بالكامل من الفكر السياسي”2البعثات الاممية (الدولية )في السودان : قد دخلت السودان في العقدين الأخيرين عدة بعثات دولية وأفريقية كانت بمهام ذات نطاقات محددة بالمناطق التي تشهد حروبات ولكن منذ دخول أول بعثة لا زال السودان يقبع في حالة التسليم والتسلم من بعثة إلى آخرى

.البعثات الاممية في السودان : بتاريخ 11 يونيو 2004م بقرار مجلس الأمن أرسلت الأمم المتحدة بعثة سياسية عرفت ب ” UNAMIS “لدفع عملية السلام الجارية في نيفاشا بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية وعُين “يان بروك ” رئيسا لها وممثل للأمين العام لأمم المتحدة ، ولكن قامت الحكومة السودانية بطرده بعد حوالي العامين بعد تصريحات له بشأن الأحداث في دارفور معتبرةً أنها ليست من مهمته وليس عليه بالتدخل فيها ، وقد رافقت البعثة قوات عسكرية أفريقية إنتشرت في جنوب السودان ودارفور ، وهي بعثة مشتركة مع الإتحاد الأفريقي ، خلفتها بعثة اليوناميد المشتركة مع الإتحاد الأفريقي في دارفور لحفظ السلام . وفي يونيو العام 2011م أرسلت الأمم المتحدة بعثة ( يونيسفا ) إلى المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين جنوب السودان وشمال السودان منطقة أبيي لحملية المدنيين ورصد السلام وهي منطقة منزوعة السلاح من الجانبيين .وبالنظر للوضع في السودان ففي اعتقادي أن البعثة الأممية في السودان “يونيتامس ” وهي بعثة سياسية ، تمتلك ألمانيا فيها اليد العليا، والحجج التي تؤيد ذلك عديدة ولكن سأذكر الحجة التي ذكرها المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حول أحقية فرنسا بالتدخل في مالي قبل إطلاق البعثة الأممية وشرعنة التدخل الأممي فيها، حيث اعتبر شتيفن زايبرت أن تقاليد فرنسا وتاريخها وأيضًا ارتباطها بهذا الجزء من إفريقيا، بالإضافة إلى وجود قوات عسكرية لها في دول مجاورة لمالي، يسهل عليها التحرك بشكل أفضل هناك، وأضاف المتحدث باسم المستشارة، بأن طلب الحكومة المالية لم يوجه إلى ألمانيا وإنما إلى فرنسا 3 .الدور الالماني الاوربي :فنجد أن دور ألمانيا في التاريخ البعيد ليس كبيرًا مقارنة بالولايات المتحدة وبريطانيا، لا نذكر منه إلا حادثة إشراف مرتزق ألماني الجنسية على تدريب حركة الأنانيا الثانية 4،والذي سلمته الحكومة اليوغندية لحكومة جعفر نميري فيما بعد، لكن فيما بعد تطور التدخل الألماني في الشؤون السودانية حيث رعت ألمانيا “إعلان فرانكفورت” عام 1992م بين الحركة الشعبية (الناصر) جناح رياك مشار وبين النظام السابق وهو إعلان يُحَمِّله العديد من المحللين السياسيين مسؤوولية انفصال جنوب السودان (بغض النظر عن صحة الادعاء) حيث ذُكِر حق تقرير المصير في البند الثالث منه لأول مرة ضمن الإعلانات والوثائق السياسية، مخالفاً للمنفستو الذي انطلقت منه الحركة الشعبية “منفستو جون قرنق 1983م” والذي كان وحدويًا ويستهجن الحركات الانفصالية.وتعود ألمانيا في فبراير من عام 2015م لترعى جهود الحوار بين الفرقاء بدعم من وزارة الخارجية الألمانية عن طريق دعوة قوى المعارضة السودانية إلى برلين وبعد ورش ومشاورات لمدة يومين خرجت قوى نداء السودان بـ”إعلان برلين” الذي كان محاولةً لإحداث تسوية سياسية مع النظام السابق، وهذه القوى هي نفسها التي يدعوها فولكر اليوم! فكيف نتنتظر منها الرفض؟! وزادت ألمانيا من جهودها في السودان بعد اعتلاء نفس القوى للسلطة وتمثل ذلك في زيارة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك لألمانيا ومبادلة الرئيس الألماني الزيارة له بعد أقل من 15 يوم!، أعقب ذلك “مؤتمر أصدقاء السودان” الذي رعته برلين في العام السابق. ولم تتوقف المؤسسات الألمانية التي تشرف علي تدريب وتقوم بورش تشارك فيها القوى السياسية ” المؤتمر السوداني “و “التجمع الإتحادي ” و”حزب الأمة” و “الحزب الشيوعي” وتتوغل بداخل الأحزاب السياسية والأكاديميين والمثقفين عبر الورش وجلسات النقاش وكذلك الجامعات على سبيل المثال “جامعة الخرطوم”و “جامعة البحر الأحمر”و”جامعة النيلين” والمؤسسات الحكومية والناشطين السياسيين مثل مؤسسة “فريدريتش ايبرت” ، التي أنتجت فيلم عن ثورة ديسمبر ضمن مشروعها في الإقليم “عقد من التغيير”5 . وكذلك المؤسسات الثقافية والمراكز وأقصد هنا معهد جوتة الذي يقوم برعاية النشاطات الثقافية وأصبح الملاذ والملتقى للناشطين والمثقفين، ونجد كذلك اهتماماً بالغاً من قناة ” دي دبليو ” بشأن القضايا السودانية من أصغرها إلى أكثرها تعقيداً، منذ دخولها السودان عبر برنامج جعفر توك في حلقة بعنوان ماهي “تحديات الشباب السوداني اليوم ؟ “، استضافت فيها عددًا من الناشطين السودانيين وعددًا من المسؤولين الحكوميين في العام 2017م. مع الأخذ في الإعتبار تصدر ألمانيا لمؤشر القوة الناعمة الذي تصدره مؤسسة بارند فاينانس البريطانية للعام 2020م وحصولها على المرتبة الثانية في العام 2015م ، والدور الذي تلعبه ألمانيا في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا الدول التي شهدت تحولات سياسية كبيرة . فهل نالت ألمانيا استحقاقها؟وبالنظر إلى العلاقات الألمانية التي أنشاتها مع الفاعليين السياسيين السودانيين بما فيهم قيادة المؤسسة العسكرية حيث صاحب وفد زيارة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك وزير الدفاع السابق الفريق أول عمر عبد المجيد ومدير المخابرات العامة السابق الفريق ركن جمال عبد المجيد وعقد الطرفان صفقة شراء أسلحة ألمانية بتسهيلات مالية ، واتفق الطرفان على خطة استراتيجية تساعد فيها ألمانيا على تدريب القوات السودانية والمساعدة في هيكلة جهاز الأمن والمخابرات ، ووجود المانيا ضمن دول أوربية آخرى في الإشراف على الترتيبات الأمنية ودمج الحركات المسلحة داخل الجيش السوداني 6 . وكذلك العلاقة بين ألمانيا والحركات المسلحة تبدو أكثر وضوحًا حيث كانت تحتوي قيادتها في أراضيها في الفترات السابقة، فوفقًا للمعطيات السابقة فألمانيا هي الفاعل الأكبر في المشهد السوداني، خصوصًا بعد تراجع دور الولايات المتحدة خارجيًا وانشغالها بملفات أخرى ، وتضاءُل فاعلية بريطانيا خارجيًا بعد خروجها من الاتحاد الأوربي وتربع ألمانيا على عرش الإتحاد الأوربي ، حيث كانت أمريكا وبريطانيا هما أصحاب الفاعلية الكبرى في المشهد السياسي السوداني منذ الإستقلال ، وتشتت فرنسا في دول غرب أفريقيا بعد دخول روسيا والصين في الصراع ، وتكبيل الفاعليين الإقليميين ” الإمارات ” و ” السعودية ” و “مصر” و”قطر” بعد إنشاء البعثة الأممية ، وعودة روسيا كذلك خطوة للوراء بعد توقف مشروع القاعدة البحرية في البحر الأحمر وعرقلته من القوى المدنية، ولكنها لا زالت تحتفظ بعلاقة طفيفة مع المؤسسة العسكرية.المصادر :القوة الناعمة ، لجوزيف ناي مستشار وزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس كلينتون ، صدر في 2004مجرد لأهم القرارات السياسة للخارجية الألمانية للعام 2014 ( موقع دي دبليو _ بتاريخ 30 ديسمبر 2014 ) السودان المأزق التأريخي وأفاق المستقبل ( المجلد الثاني – الفصل السابع عشر ص 418 )موقع دي دبيليو مقال بعنوان ( المانيا تدعم جهود فرنسا وترفض إرسال قواتها إلى هناك ) بتاريخ 15 يناير 2013 م الصفحة الرسمية لمؤسسة فريدرتش على فيسبوك موقع العرب الإلكتروني مقال بعنوان ( ألمانيا تعود بقوة إلى السودان وسط غمرة القوى الدولية ) بتاريخ 24 فبراير 2020المجتمعوأعقب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.