الهادي هباني يكتب: تتعدد المبادرات، ولكن الكلمة الأخيرة للجماهير الثائرة

0

الخرطوم | صحيفة الميدان

الرائد نت

فيما يتعلق بالمبادرات المطروحة من بعض القوى السياسية ذات العلاقة بقوى الحرية والتغيير أو المكونة لها حتى اليوم أو التي يتم تصنيفها ضمن ما يعرف بقوى الهبوط الناعم التي كانت تدعو من الأساس وقبل انطلاق ثورة ديسمبر 2018م للتفاوض والتسوية مع النظام البائد والتي كانت قُبَيل انطلاقها وحتى تاريخ 13 ديسمبر 2018م تتفاوض مع النظام البائد في أديس أبابا للخروج باتفاق شراكة يفضي إلى مشروع النظام البائد القائم على انتخابات 2020م وهو نفس التاريخ الذي انطلقت فيه شرارة الثورة بالدمازين. يتبين أن هذه القوى بمختلف مكوناتها تضع جانب الجماهير خارج نطاق حساباتها عندما تطرح برنامج لتوحيد القوى السياسية أو تنظر إليه كجانب ثانوي باعتباره متغير تابع وليس مستقلًا في طرف المعادلة.

وهي نظرة قاصرة تُعبِّر عن عدم ثقة حقيقية في مقدرات الجماهير على التغيير وعلى إفراز قيادات قادرة على صنع التغيير الاجتماعي وقيادته وبناء الدولة السودانية الحديثة ولعل ذلك ما عبَّر عنه الأمين العام للمؤتمر السوداني خالد سلك في لقاء جماهيري مصور قبل الثورة بأن مصطلح جماهير عبارة عن مصطلح (استهبالي) وليس هنالك شيء اسمه جماهير وأنه ليست ثمة طريق للتغيير غير الانتخابات المزمع انعقادها عام 2020م وهو نفس منطق النظام البائد في دعوته لانتخابات 2020م أو ما تم الاصطلاح عليه قبل الثورة بين المتفاوضين في أديس أبابا حتى 13 ديسمبر 2018م بـ (عشرين عشرين). ولذلك ليس غريبًا أن يظهر الرئيس المكلف لحزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر في قناة الجزيرة مباشر ليتحدث عن المبادرة المقدمة من حزب الأمة لتوحيد القوى السياسة وتبين (من خلال إجاباته لأسئلة المذيع عن مدى قبول الثوار في الشارع للمبادرة) النظرة الأبوية الفوقية لهؤلاء الثوار وأنهم كقيادات سياسية يمكنهم ببساطة إقناع أبنائهم بالتوقف عن المظاهرات والقبول بالمبادرة وكأن هؤلاء الثوار يأخذون الإذن المسبق منهم أو من أولياء أمورهم للخروج للشوارع وبالتالي يمكنهم أن يتوقفوا عن ذلك بكل بساطة بمجرد أن تطلب منهم القوى السياسة أو يأمرهم أولياء الأمور بذلك.

وهذه للأسف الشديد نظرة قاصرة جدًا تبين لأي مدى هذه القوى بعيدة عن الشارع وبعيدة عن متغيرات الواقع الاجتماعي والطبقي والسياسي الذي تجاوز هذه القوى بمراحل متقدمة جدًا لا يمكن التراجع عنها.هذه النظرة الدونية للشباب هي نظرة قاصرة تعتقد أن الشباب كيان منفصل غير منظم ولا يحمل رؤية وغير فاعل في المتغيرات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع السوداني وبالتالي فهو غير قادر على صنع التغيير وقيادته لغاياته القصوى وهم ينسون أن كل الثورات الاجتماعية والسياسية التي خاضها الشعب السوداني تمت وتتم بقيادة الشباب. فالثورة المهدية قادها الشباب والإمام محمد أحمد المهدي كان شابًا في عقده الرابع عندما بدأ مسيرة الثورة المهدية الظافرة، والقادة الأفذاذ الذين قادوا الثورة المهدية وسجلوا انتصاراتها الخالدة والشهداء الذين دفعوا بحياتهم أمام أفواه المدافع في ملحمة كرري كانوا شبابا.

ثورة أكتوبر 1964م قادها الشباب، والقرشي عندما استشهد كان لا يتجاوز عمره ال 21 عاما وكذلك رفاقه الثوار والشهداء. وانتفاضة يناير 1982م (انتفاضة طلاب الثانويات) التي انطلقت شرارتها في مدني وامتدت لتشمل معظم مدن السودان كأن أول شهيد فيها هو الشهيد طه يوسف عبيد الذي كتب عنه وعن الانتفاضة الشاعر الراحل محمد محي الدين قصيدته المشهورة (عشرة لوحات للمدينة وهي تخرج من النهر بريشة طه يوسف عبيد) ولم يتجاوز عمر الشهيد طه يوسف عبيد وقتها ال 16 عاما.انتفاضة مارس/ أبريل 1985م أيضًا قادها الشباب حتى النصر وليس الشيوخ، بل أن أول شهيد قدمته الانتفاضة هي الطفلة مشاعر محمد عبد الله. وثورة ديسمبر 2018م الظافرة قادها الشباب أيضًا والشهداء الذين سقطوا في كل مراحلها وموجاتها الثورية ولا زالوا يسقطون هم الشباب وهم اليوم يقودون موجتها الحاسمة للوصول بها إلى غاياتها. وسيقود الشباب أي ثورة أو تغيير اجتماعي في مستقبل السودان وهذا هو الشيء الطبيعي المتفق مع التكوين الديمغرافي للمجتمعات، فالشباب هم أمل الأمة ونبضها الثائر وجنودها الذين يتقدمون الصفوف دائمًا ليس في السودان فحسب، بل في كل بلدان العالم.

وبالتالي فإن النظرة للثوار والشباب الثائر على الأرض بهذه النظرة الدونية والفوقية هي نظرة متخلفة لا تقدم السودان للأمام.وإن كانت التجارب الثورية السابقة منذ أكتوبر 1964م مرورًا بمارس/ أبريل 1985م و19 ديسمبر 2019م تحمل حقيقة أن هنالك قوى هي صاحبة المصلحة الحقيقية تناضل وتحمل الانتصارات الثورية على دمائها وأكتافها وهنالك قوى تأتي للحكم بعد ذلك على ظهور هذه القوى وتعتلي السلطة فإن هذه الموجة الثورية العارمة الفاصلة المشتعلة في الشوارع تهدف إلى إعادة الأمور إلى نصابها وإلى شطب هذه القاعدة نهائيًا من تجارب السودان الفاشلة إلى الأبد والدفع بالقوي الثورية الحقيقية صانعة التغيير الفعلي لمواقع الحكم واتخاذ القرار ووضع الخطوط العريضة وأيضًا التفاصيل لرسم مستقبل السودان وبناء دولته الحديثة التي تحمل أحلام كل السودانيين شيبًا وشبابا، نساءً ورجالا، أطفالًا وأجيالًا لم تولد بعد. وفي هذه المسيرة المستمرة غير المتوقفة لا مجال للقوى السياسية إلا تلك التي تقف مع هذه الموجة وقوف أصيل صادق دون أدنى ذرة من محاصصات ومكاسب سياسية ضيقة فلن تسمح هذه الموجة أن تلدغ الجماهير الثائرة من نفس جرح تضييع الوقت والجهد في المحاصصات والمزايدات السياسية.وبالتالي فالمبادرة الحقيقية التي يجب على جميع القوى السياسية الحية التي شاركت ودعمت ثورة 19 ديسمبر 2019م الخالدة الالتفاف حولها ودعمها والتوقيع عليها دون تردد هي المبادرة التي تنبع من هؤلاء الثوار بمختلف مستوياتهم الجماهيرية لجان مقاومة، تجمع مهنيين، لجان نقابية، منظمات مجتمع مدني، ومنظمات ثورية إقليمية وشبابية ونسائية والاتفاق والدفع بهم وبالقيادة الثورية التي تنبع منهم لقيادة عملية التغيير في السودان وبناء الدولة المدنية الكاملة فلا يوجد تصور لدولة سودانية حديثة مدنية كاملة الدسم دون أن يكون لهذه الكيانات الجماهيرية الثورية مكانًا متقدمًا ورياديًا فيها.

اترك رد