حزب الأمة القومي يحدد خريطة طريق لاستعادة الشرعية واستكمال المرحلة الانتقالية
امدرمان: الرائد نت
مدخل
- مر الشعب السوداني بمخاض عسير منذ تفجر ثورته المجيدة في ديسمبر 2018م والتي أذهلت العالمين وحازت على إعجاب الشعوب المحبة للحرية، مقدماً أرتالاً من الشهداء والجرحى والمفقودين، حتى أطاح بالطاغية، وأسس لشرعية ثورية حاكمة عبر تواثق دستوري متراضى عليه. وتعيش البلاد الآن واقعاً مأزوماً بسبب انقلاب 25 أكتوبر 2021م والاتفاق السياسي الثنائي المبرم في 21 نوفمبر بين الفريق عبد الفتاح البرهان والدكتور عبد الله حمدوك، وما ترتب على ذلك من قرارات بفض الشراكة التي أسست للشرعية، ومحاولة استبدال قوى الحرية والتغيير صاحبة الشرعية الدستورية والشريك المؤسس للفترة الانتقالية، بحاضنة بديلة مصنوعة تضم في جنبيها تيارات قوى الردة وأطراف لا دور لها في ثورة ديسمبر المجيدة.
الأزمة السياسية الحالية أسهمت فيها عوامل مختلفة:
فالشراكة بين المدنيين والعسكريين وأطراف السلام تعثرت، والمكون العسكري تدخل خلافاً للوثيقة الدستورية في ملفات تنفيذية لا تعنيه، وحينما تأزمت الشراكة عطل آليات حل الخلاف وانقلب على شرعية التراضي وفرض سلطته بالقوة المسلحة، وأيده في ذلك بعض شركاء السلام وبعض قوى الردة. ورئيس الوزراء الذي اختارته الحاضنة الشرعية كثيراً ما تجاوز الحاضنة التي قدمته. وعمد منسوبو الدولة العميقة من النظام البائد المتمكنون في مفاصل الدولة على عرقلة أداء أجهزتها، واستخدموا قدراتهم للتضييق على معاش الناس وعملت ترسانتهم الإعلامية على تشويه الفترة الانتقالية ونثر الشقاق.
أما الحاضنة السياسية ففي غياب المجلس التشريعي عانت من التهميش في القرار السياسي، كما عاب أداءها التخبط والتعامل بردود الأفعال وتغييب القيادة ثم اختطافها من بعض مكوناتها مما حدا بحزب الأمة القومي أن يجمد عضويته فيها لنحو عام ونصف حتى الإعلان السياسي في سبتمبر 2021م والذي جاء كمحاولة لتوحيد الكلمة وقعت في قمة الاستقطاب الماثل فلم تثمر التعافي المطلوب. كما تدخل المجتمع الإقليمي والدولي أحياناً بأجندته ومصالحه بصورة زادت عملية الانتقال الشائكة تعقيداً.
وعلت نبرة الاستقطاب بين المكونات المدنية والسياسية منعشة خطاب تجريم الأحزاب الذي روجت له الأنظمة الشمولية، كما أن ازدواجية اللسان في حزب الأمة، والانفصال بين لسان المقال ولسان الحال لدى آخرين، وتبني خطاب الحاضنة الرسمي للاءات تعبر عن المد الثوري ولا تسعف الحل، كل ذلك ساهم في زيادة إرباك المشهد السياسي.
مما ترتب عليه تعقد الحالة الاقتصادية بعلو معدلات التضخم وغلاء المعيشة وتفشي الفاقة، وتردي الحالة الأمنية بازدياد حالات السلب والنهب في المدن، وتفاقم الصراعات القبلية وتفشي النزعة الجهوية بصورة تهدد الوحدة الوطنية في مناطق النزاع. ومع وجود شارع ثوري واعٍ وأعزل قدم عشرات الشهداء ومئات الجرحى، مصمم على مقاومة الانقلاب، وغياب رؤية متفق عليها للحل، ووجود تقاطعات دولية وإقليمية تموج بالمهددات والأجندات المتضاربة، فإن الحالة تنذر بسيناريوهات خطيرة كالعودة للشمولية القابضة، الفوضوية، و/ أو الانفصالات وتشظي البلاد.
والسيناريو الآمن الوحيد هو استطاعة الشركاء العودة لمنصة تأسيس شرعية تراضٍ جديدة، عبر رؤية واضحة تعيد عملية الانتقال السلمي الديمقراطي، تبنى على نقد واضح وصريح لأوجه القصور في الفترة الماضية، وعلى ضمانات كافية لعدم تكرار ما حدث.
استشعاراً للمسؤولية الوطنية وبعد قراءة معمقة للأزمة ومخارجها الممكنة، قررت مؤسسات حزب الأمة القومي أن الانقلاب إجراء مرفوض من حيث المبدأً، وأن الاتفاق السياسي الموقع في 21 نوفمبر لا يصلح أساساً للبناء عليه لأنه اتفاق ثنائي بني على بيان الانقلاب، وهو اتفاق شمولي الصبغة، حوّل النظام البرلماني الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية إلى رئاسي، وقد قوبل برفض شعبي عريض ومستحق، ورأت أن المطلوب الآن الاتفاق على خريطة طريق للخروج من حالة الشمولية واللا شرعية الحالية، نحو رحاب التوافق الوطني لاستعادة الشرعية واستئناف عملية الانتقال السلمي من الحرب للسلام ومن الشمولية للديمقراطية، ويقدم الحزب مساهمة منه في الوصول لحل قومي الرؤى التالية:
القضايا الأساسية:
تجربة ما بين أغسطس 2019 وأكتوبر 2021م حققت إنجازات وأظهرت عيوباً تستوجب المعالجة، أبرزها:أولاً: الشرعية: تقوم الشرعية في الحكم إما على التفويض الشعبي بالانتخابات أو الشرعية الثورية، أو المغالبة بالقوة. شرعية الفترة الانتقالية ثورية بنيت على شراكة بتراضٍ وتوازن مدني عسكري، تضمنتها الوثيقة الدستورية وتم تعديلها لاحقاً لتضمين شركاء السلام، ولا بد من استئناف الشرعية الدستورية، ومراجعة أسس الشراكة وضماناتها بصورة جذرية. ثانياً: الدستور: تشكل الوثيقة الدستورية أساس الشرعية. ويراجع المجلس التشريعي بعد تكوينه، وفقاً للمادة (78) من الوثيقة الدستورية، تطويرها لدستور انتقالي يبني عليها ويضمن:
تحديد صلاحيات رئيس وأعضاء مجلس السيادة بدقة تمنع تغولهم على المهام التنفيذية، ومراجعة ما أقرته اتفاقية جوبا بسيادة الاتفاق على الوثيقة الدستورية وضرورة تحول حركات الكفاح المسلح للعمل المدني لممارسة السياسة، وتعديل النص على طبيعة الحكم الفيدرالي بين الأقاليم والولايات لتناقضه مع الواقع وإحالة الأمر لمؤتمر الحكم والإدارة مع عقده في أقرب وقت، وتعديل النص على تكوين المفوضيات بما يضمن استقلاليتها وأن يشرف على تكوينها مجلس للمفوضيات، وإضافة مفوضية للموارد وتوزيع الإيرادات، والنص على تعديل القوانين السارية وفقاً للمادة (74) من الوثيقة بأيلولة سلطات رئيس الجمهورية فيها لرئيس مجلس الوزراء.ثالثاً: إصلاح واستكمال مؤسسات الانتقال:
1/ المجلس التشريعي الاعتراف بأهميته القصوى، والإسراع في تكوينه فوراً بالتراضي بين شركاء الوثيقة الدستورية، وتمثل في آلية تكوينه كافة الولايات، وتشرك في شوراها الأجسام الثورية والجهات البحثية العاملة في مجال تكوين المجلس.
2/ الحكم الإقليمي: مراجعة عيوب قانون الحكم اللامركزي والعلاقات بين أجهزته لسنة 2020م، ليصبح أكثر ديمقراطية ويحقق لا مركزية حقيقية تعمل بكفاءة وقدرة عالية، والإجراء الفوري لانتخابات محلية بغرض تفكيك التمكين في المحليات.
3/ المفوضيات: إصدار تشريع بإنشاء مجلس للمفوضيات يمثل فيه كافة الشركاء، يقوم بتحديد المفوضيات المطلوبة ومهامها وكيفية تكوينها والإشراف عليها، ويتم الإسراع في تكوين المفوضيات وفق التشريع المذكور في أقرب وقت ممكن.
4/ مجلسا السيادة والوزراء: المطلوب تراض جديد على تكوين المجلسين وشاغليهم وفق متطلبات الوثيقة الدستورية، واختيار رئاسة مدنية لمجلس السيادة بحسب الاستحقاق الدستوري الذي آن أوانه.
5/ الأجهزة العدلية والإصلاح القانوني: تذليل العقبات أمام استكمال إنشاء وتعيين مجلس القضاء العالي، والمحكمة الدستورية، وإصلاح الأجهزة القضائية، وإجراء الإصلاح القانوني والغاء القوانين السابقة التي قننت الشمولية أو تعديلها بما يتوافق والنظام المدني الديمقراطي بدون تأخير.
رابعاً: العلاقات الخارجية: تلافي الآثار السالبة للانقلاب في المجال الدولي، والالتزام بعدم المحورية، وببناء علاقات استراتيجية قوية مع الدول المحبة للديمقراطية والسلام ودول الجوار، ومراجعة الاتفاقيات العسكرية التي أبرمها النظام البائد بما يهدد سيادة البلاد، أو مشاريع نخاسة الأراضي السودانية، والتزام التعيينات في الخدمة الدبلوماسية بالمواطنة المتساوية، والإقلاع عن البت في القضايا الخلافية كالتطبيع مع إسرائيل في الفترة الانتقالية، والعمل على احتواء الصراعات في الإقليم، والتواصل مع المجتمع الدولي لدعم التحول الديمقراطي والسلام في البلاد.
خامساً: السلام: التأمين على إنجازات سلام جوبا 2020م. ومع الوضع الأمني المتفجر في جهات عديدة وخاصة في دارفور، ينبغي العمل على أن يعقد المؤتمر القومي للسلام ليشمل كافة قوى الكفاح المسلح بانضمام الممانعين (الحلو- عبد الواحد)، ويعالج البنود المختلف عليها، مع تأكيد علوية الدستور على أية اتفاقية سابقة أو مزمعة، وعدم البت في قضايا خلافية كعلاقة الدين بالدولة إلا في المؤتمر القومي الدستوري أو عبر الانتخابات. مع الاهتمام بتدابير حماية المدنيين ونزع السلاح، والدمج والتسريح.
سادساً: العدالة الانتقالية: يجب الإسراع في وضع خطة مدروسة للعدالة الانتقالية ينظمها قانون ينشئ المفوضية المختصة، بما يؤكد على عدم الافلات من العقوبة، وإنصاف الضحايا، ويشمل التدابير القضائية العادية، والقضاء التكميلي، وأشكال العدالة العرفية، والمحكمة الجنائية الدولية، مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى. وينبغي المصادقة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وتسليم مطلوبي النظام البائد لها، واستخدام أشكال العدالة الأخرى لغيرهم من المنتهكين الذين اشتركوا في جرائم الإبادة والحرب والجرائم ضد الإنسانية أثناء النظام الظلامي المخلوع. بالنسبة للانتهاكات أثناء فترة الانتقال، ينبغي إنشاء لجنة جديدة للتحقيق في جريمة فض الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، يتم التراضي حولها، وتضم ممثلين للحاضنة السياسية الشرعية وأسر الضحايا كمراقبين. وأن يبتدر تحقيق منفصل في القضايا الأخرى قبل وبعد جريمة فض الاعتصام، وتحقق العدالة الترميمية وصولاً لصيغ متوافق عليها للحقيقة والمصالحة وجبر الضرر مع المكون العسكري وأولياء الدم.
سابعاً: الاقتصاد: إجراء إصلاح اقتصادي يتبع سياسة السوق الحر الاجتماعي، يقفل أبواب الفساد والتجنيب، ويحقق ولاية المالية على المال العام في كافة مؤسسات وشركات القطاع العام العسكرية والمدنية، ويؤهل البنيات الإنتاجية، ويصلح قطاع الصادر والوارد، ويعمل على تحسين الحالة المعيشية ومكافحة الفقر.
ثامناً: إصلاح الخدمة المدنية: هيكلة الخدمة المدنية وإصلاحها عبر مفوضية إصلاح الخدمة المدنية، ونقض التمكين وإنصاف المفصولين تعسفياً، وإعادة هيكلة مؤسساتها بما يواكب النظام الفيدرالي، وتحقيق المشاركة العادلة على أسس المواطنة المتساوية.
تاسعاً: الأمن والقوات النظامية: وضع تدابير أمنية عاجلة لكبح السيولة الأمنية، والاتفاق على إصلاح أمني يوحد القوات حاملة السلاح تحت قيادة الجيش الوطني، ويرفع كفاءتها، وينص على عقيدة عسكرية منضبطة ملتزمة بالحكم المدني الديمقراطي. وسن قانون ديمقراطي الطبيعة للأمن الوطني، مع تبعية الأمن والشرطة لمجلس الوزراء. والقيام بكافة ترتيبات الدمج والتسريح بإشراف المفوضية المختصة بعد تحديد سليم للمعنيين بتلك الترتيبات.
عاشراً: محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة وإزالة التمكين: مفوضية محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة هي الاستحقاق الدستوري المطلوب، ينبغي تأكيد استقلاليتها ومراجعة قانونها ليختار أعضائها على أسس الكفاءة والنزاهة عبر مجلس المفوضيات. ومنعاً للتداخل بين أعمالها ولجنة إزالة التمكين، يتم التوفيق بين قانونها وقانون إزالة التمكين بحيث تصبح إزالة التمكين إحدى الادارات التابعة للمفوضية، مع ضمان إتاحة الاستئنافات بصورة منضبطة عدلياً، وتعديل صلاحيات لجنة إزالة التمكين بما يحقق فصل السلطات ويضمن الاستقلالية والكفاءة.
حادي عشر: الانتخابات: الالتزام الصارم بأمد الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات العامة الحرة في موعد لا يتجاوز يوليو 2023م، وأن يقوم مجلس المفوضيات عاجلاً بتقديم قانون متفق عليه للانتخابات يجيزه المجلس التشريعي ومن ثم تكوين المفوضية، والبدء في عمليات التعليم المدني والديمقراطي، والإحصاء السكاني المطلوب للعمليات الانتخابية.
ثاني عشر: مجلس الشركاء: مراجعة لائحة مجلس الشركاء لتطويره تجاوزاً لمشاكل التجربة الماضية ولتحقيق هدفه في التنسيق بين مكونات الحكومة الانتقالية، على أن يشمل إلى جانب المدنيين وأطراف السلام تمثيلاً رمزياً للمكون العسكري، ويصبح مرجعية للمرحلة ولحل النزاعات بينهم.
ثالث عشر: المؤتمر القومي الدستوري: ينبغي البدء فوراً في سن قانون المؤتمر القومي الدستوري ومفوضيته، ليعقد قبل نهاية الفترة الانتقالية، وتسبقه مؤتمرات تخصصية في المجالات المختلفة تقدم توصياتها له.آليات استئناف الشرعية: الحل المنشود ينبغي أن يخاطب القضايا المذكورة، بما يمكن جميع شركاء المرحلة الانتقالية الوصول للحلول بصورة توافقية، وينبغي أن تكون نقطة البداية من خلال توحيد قوى التحول الديمقراطي حول الموقف التفاوضي (الحاضنة الشرعية الموسعة، شركاء السلام الرافضون للانقلاب، ولجان المقاومة)، والتواصل مع المجتمع الإقليمي والدولي لبحث استئناف الشرعية بالتوافق على حوار متكافئ مراقب إقليمياً ودولياً، ينخرطوا فيه مع المكون العسكري ويدلي فيه كل الشركاء بدلوهم: قوى إعلان الحرية والتغيير كما يمثلهم الإعلان السياسي، 8 سبتمبر 2021م مع التوسعة المطلوبة، والمكون العسكري، وشركاء السلام. وهناك قوى ثورية لا تضمها موائد الحوار من الضروري مشاركتها في الدفع بإعادة الشرعية الدستورية وهي: قوى الثورة خارج الحاضنة ومنها لجان المقاومة التي لعبت دوراً كبيراً في التعبئة للثورة والحفاظ على سلميتها، ويمكن استصحاب رؤاها أو تمثيلها إذا تمت مأسسة تكويناتها بما ينبغي أن تحدده اللجان بحرية وديمقراطية، وسودان المهجر باعتباره داعماً أساسياً للحراك الثوري ولمشروعات التنمية ولخطط بناء القدرات المطلوبة للتحول الديمقراطي؛ والاعلام كشريك حقيقي في عملية الانتقال والتحول الديمقراطي مالت أدواره للسلبية في العامين الماضيين. تتم العودة للمسار الدستوري عبر التدابير والآليات التالية: اعتماد مبدأ الحوار الذي يشمل كل أطراف الانتقال لاستئناف الشرعية المتواثق عليها دستورياً، وأن يكون الحوار مراقباً إقليمياً ودولياً، على أن يشكل المراقبون كذلك ضامنون لأي اتفاق يبرم. عمل ميثاق شرف ملزم يوقع عليه جميع شركاء الانتقال. إعادة بناء جبهة الحرية والتغيير بما يجمع بين جميع مكوناتها وفق نظام أساسي يحفظ التوازن بينها، وتطوير إعلان الحرية والتغيير إلى ميثاق. عقد مؤتمر تأسيسي يضم كافة الشركاء لإجازة خطة استئناف الشرعية واستكمال المرحلة الانتقالية ومؤسساتها. تكوين لجنة قانونية متوافق عليها لتطوير الوثيقة الدستورية تقدم توصياتها للمجلس التشريعي لإجراء التعديل وفقاً للمادة (78) من الوثيقة. مخاطبة الرأي العام الإقليمي والدولي لدعم العودة للشرعية الدستورية واستئناف عملية الانتقال نحو الديمقراطية واتمام عملية السلام. الاتفاق على مصفوفة لتنفيذ مهام الفترة الانتقالية وتكوين آلية للتقييم والمتابعة.