عثمان ميرغني يكتب: (كان راجل طالعني)..
متابعات/ الرائد نت
في وسائط التواصل الاجتماعي فيضان من مداخلات السودانيين، الناظم المشترك بينها أن التعليقات في غالبها الكاسح تنحصر في “الشخصيات”.. تدور الأحداث حول “الأشخاص” وتفسر المواقف بقراءة أسماء “الشخصيات” وينقسم المعلّقون مع وضد بحسب “الأشخاص” محور الحدث ، لا الحدث الذي حوله يتمحور الأشخاص.
مثلاً السياسي فلان، يدلي بتصريح من وحي حالته النفسية والمزاجية لحظة التقاط التصريح، فيتحول حديثه إلى نطق باسم هيئة اعتبارية، قد تكون حزباً سياسياً أو تحالفاً عريضاً مثل “الحرية والتغيير” أو أحياناً قد يكون باسم الدولة كلها، السودان شعباً وحكومة..
و من فرط إفراط الناس في التهام وجباتهم اليومية من شواء لحوم الشخصيات، أصبح السودان كله في مهب ريح هَوى الأشخاص، على مبدأ :
(وما أنا إلا من غَزية إن غَوت غويتُ، و إن تَرشد غزية أرشد).
البرهان يعني الجيش، وحمدوك يعني الحكومة، وحميدتي يعني الدعم السريع، والدقير يعني المؤتمر السوداني، وبُرمة يعني حزب الأمة، و السنهوري يعني البعث، و أي اسم في الحرية والتغيير “أ” يعني الحرية والتغيير “أ”، وأي اسم في الحرية والتغيير “ب” يعني الحرية والتغيير “ب”، وعلى هذا الأساس يعتمد التعامل الجماهيري العام مع المشهد السياسي. المطلوب فقط إسم ” غالباً رَجُل” ليختصر في جلبابه المؤسسة التي يرمز إليها، و (مافي الجُبة إلا ..).
السودان كله مختصر في بضع رجال، لا أحد قادر أو راغب في التأمل والتحديق في الأعمال والتعليق على المباراة من واقع ما يجري في الملعب لا الاسم المطبوع على القميص.
مثل هذا الوضع يجعل السودان دولة في كنف “الرُّجال” (بضم الراء)، دولة يحكمها الأشخاص نيابة عن ذاتهم ونزواتهم وما الشعب إلا حمولة ثقيلة في حقائب “الرِجال” (بكسر الراء). فتتقلب الأحوال بتقلب أمزجة وأحوال الرجال، في لحظة ترتفع نسمات العلائق الودية بينهم فيمدحون بعضهم ويتعانقون ويتبادلون كلمات الإطراء.. وفي لحظة غضب، كلمة من رجل يرد عليها الرجل الآخر، ثم “حدث ماحدث” في فجر 25 أكتوبر 2021.. والشعب يتفرج على “الشَكّلة” بين الرجال.
يتحقق “الانتقال” عندما ننتقل من “دولة الرجال” إلى “رجال الدولة”.
صعبة دي؟