أ.د. علي عيسى عبدالرحمن يكتب : ماذا خسر السودان باعتقال الدكتور محمد علي الجزولي.

0

متابعات/ الرائد نت

الدكتور محمد علي الجزولي رئيس حزب دولة القانون والتنمية ، هو سجين ضمير ، ومصطلح سجين الضمير ضمن أدبيات منظمة العفو الدولية واصبح الركيزة الأساسية لنشاطها الدولي منذ العام 1960، حيث يعتبر سجين الضمير كل من تم سجنه بسبب مكونات لصيقة ( بذاته)، أو يتم سجنه بسبب لغته أو لونه أو عرقه أو جنسيته أو أصله الوطني أو جنسه أو دينه أو الثروة أو المولد أو الرأي سياسيا كان أو غير سياسي .

بدأت خيوط استهداف الدكتور محمد علي الجزولي رئيس حزب دولة القانون والتنمية ، تتوضح بماقاله مستشار البرهان للاعلام حيث تحدث عن مداخلة للدكتور الجزولي في إطار تعاطي إعلامي عادي فأشار المستشار بأن ذلك يهدد الأمن الوطني ، وبعدها بأيام تصادف وجود الدكتور الجزولي معي بالمنزل فهاتفت مستشار البرهان للاعلام بحكم اني كنت قائده المباشر (كنت رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة وكان هو سكرتير تحريرها ) ، سالته عن ما أورده عن دكتور الجزولي ، وضرورة عدم التصعيد وتجاوز الأمر فقال لي سوف يتواصل مع البرهان وتتم تسوية الامر ، وطلب مقابلة الدكتور الجزولي ولكن تحفظ الدكتور على المقابلة ، ليتفاجا الجميع باعتقال دكتور الجزولي بعد بضعة أيام ، لتبدأ مسيرة البحث عن ملابسات هذا الإعتقال ، وكان أغلب الظن بأن من قام بالاعتقال ربما الجناح المدني بالمكون الحاكم وكان التركيز على عضو لجنة إزالة التمكين الدكتور صلاح مناع ، ومع مرور الوقت توضح بأن المكون العسكري كان وراء الاعتقال .

تم التواصل مع الإدارة السياسية بالأمن ورئيس هيئة الأركان المشتركة والقائد حميدتي والبرهان لبحث الامر ، هذه هي الجهود التي بذلها الحزب وهي موجهة إلى المكون العسكري والأجهزة الأمنية .

من الجهود التي بذلت لاطلاق سراح الدكتور الجزولي ، دعت المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية وآخرها هيئة محامي دارفور أمس الأول دعت بوجوب إطلاق سراح الدكتور الجزولي .

كذلك هنالك جهود إعلامية شبه يومية تدعوا إلى إطلاق سراح الدكتور الجزولي عبر أنشطة مختلفة تمثلت في الوقفات الاحتجاجية والندوات والملتقيات والكتابات الصحفية ، تنادي جميع هذه الفعاليات بالحرية للدكتور .

يضاف الى كل ذلك ، الجهود القانونية التي يقوم بها محاموه والذين وصلوا إلى طريق مسدود في ظل (تسمر) الأجهزة العدلية .

بعد تفجر حركة الخامس والعشرين من اكتوبر التصحيحية ( المجيدة ) ،
استبشر الجميع بإطلاق سراح المعتقلين ومعهم الدكتور الجزولي ولكن فجأة جمدت الفرحة ، إذ نادى منادي المعتقلات بالعودة إلى الاعتقال وتواصلت معي الأجهزة الأمنية بأن يعود الدكتور الجزولي إلى المعتقل ، فأخبرته بذلك وماهي إلا لحظات حتى هاتفني دكتور الجزولي من مكتب الاستخبارات العسكرية وقال لي إنه سلم نفسه .

لا يوجد تفسير منطقي لإطلاق السراح وإعادة الاعتقال ، فهل اجتهد من أطلق سراح الجزولي وإخوته فاخطا ؟ ليدفع ثمن ذلك فقدان وظيفته ،

تباينت التفسيرات لما قام به النائب العام المكلف ، وهو يطلق سراج الجزولي ورفاقه ، فمن التفسيرات تلك التي ذهبت الى ان النائب العام فعل ذلك ليبرئ ذمته وأنه قد اكمل كل الاجراءات القانونية المطلوبة لاطلاق سراحهم ، ففعل( سجن سجن غرامة غرامة ) ، ومن التفسيرات التي أوردها البعض بأن ما قام به النائب العام أنه أراد أن يحرج البرهان ويظهره بأنه متعاطف مع الإسلاميين فأطلق سراحهم من المعتقلات حتى دون الرجوع إلى البرهان ،

مهما يكن من أمر التفسيرات ، فاستمرار الاعتقال بلا تقديم لمحاكمة أو إطلاق سراح يتنافى مع كل القيم البشرية وحقوق الانسان ، ويعتبر وصمة عار في جبين العدالة الانتقالية.

مظلوم العهدين سبق أن اعتقل في عهد البشير وتعرض للاذي ومصادرات الممتلكات واستمر اعتقاله حتي تفجرت ثورة ديسمبر (غير المجيدة) التي ذبحت فيها العدالة وجعلت معاييرها مزدوجة ، تطلق سراح من هدد أمن السودان ومزق نسيج مجتمعه، وتستمر في اعتقال من ينبه إلى مهددات الأمن الوطني .

لماذا اعتقل الدكتور الجزولي؟

السؤال الجوهري والذي يحتاج إلى إجابة قد لا تتوفر عند الكثير من السودانيين ،
لماذا اعتقل الدكتور الجزولي ؟

هل اعتقل الدكتور الجزولي لانه هدد الأمن الوطني بسبب لفته الانتباه إلى ثغرات ينفذ من خلالها ما يهدد الأمن الوطني؟

هل اعتقل الدكتور الجزولي لانه اشترك في محاولة انقلابية من شأنها تقويض الفترة الإنتقالية؟

هل كان اعتقال الدكتور الجزولي يعود إلى ارتباطه بجماعة إرهابية تسعى إلى زعزعة الاستقرار العالمي؟

الفرضيات الثلاث انفة الذكر كلها مواد مضمنة في قانون جمهورية السودان ، لا تحتاج إلى تحري يستغرق كل هذه المدة وببساطة كان على الجهات العدلية تقديمه إلى المحاكمة حتى يقول القضاء كلمته .

هل اعتقل الدكتور الجزولي لأسباب سياسية في إطار التضييق على الإسلاميين وباعتباره أحد قادة التيار الإسلامي بالبلاد؟

ام هل اعتقل الدكتور الجزولي لانه مشروع قائد استراتيجي عظيم ؟

من هو الدكتور الجزولي

من المعروف ان الدكتور الجزولي من القلائل بين السياسيين الذين جمعوا بين العلوم الشرعية والزمنية ، فهو حجة في العلوم الاسلامية واحد المنظرين القلائل بالبلاد ، لا يقتصر مجاله في ميدان الخطب المنبرية ( مجال الوعظ والإرشاد والوعد والوعيد ) ، بل تجاوز ذلك إلى العمق فهو ايضا المنظر في قضايا الفكر الاسلامي المعاصرة والمنافح الذي لا تلين له قناة في هذا الشأن ، فهو ببساطة مشروع قائد إسلامي كامل الدسم ومشروع قائد سياسي إسلامي يخلف الشيخ الترابي في هذا الصدد .

يستطيع الدكتور الجزولي ، لملمة شتات السودان وتوجيهه ، فله خطاب مؤثر بين الشباب ، و يستطيع ان يقلب الطاولة على المشهد الانتقالي وهنا تتقاطع اهداف المكونين العسكري والمدني في استمرار الاعتقال .

يستطيع الجزولي ان يقدم الأنموذج الإسلامي في نسخته الثانية مراعيا كل الثغرات التي لازمت تجربة النسخه الأولى ، وهنا تتقاطع الأهداف المحلية والاقليمية والدولية في استمرار اعتقال الدكتور الجزولي، فرجل بهذه المواصفات قد لا ينتبه إليه عامة الناس ولكن الدوائر الصهيونية والاستخبارات الإقليمية والعالمية تهتم بأمره ، لذلك من المهم أن يكون بعيدا عن المشهد السوداني ، في ظل الهجمة على الإسلام اقليميا ودوليا فالمطلوب محاصرته وحبس شعاعه .

الدكتور الجزولي ، بالاضافه الى تمكنه في الفكر والخطابة ، فهو يمتلك مؤهلات القيادة الأخرى من قوة تحمل وارادة وحيوية ، تقابله وهو اسير ولكنه بروح طليق ومعنويات عالية يتوفق بها على الطلقاء غير المعتقلين .

للدكتور الجزولي حضورا اجتماعيا قل أن تجده في غيره ، فهو باختصار يظل أمل السودان كزعيم ولا اقول رئيس ولا اقول قائد بل زعيم لجمعه بين الريادة الفكرية والقيادة الميدانية .

في الحزب كنا نخشى عليه وهو في المعتقل من أن تمتد اليه يد الغدر فتغتاله سيما حينما كانت جهات اعتقاله غير معلومة ، هل المكون العسكري او المدني ، وعن نفس هذه المخاوف تواصل معي عدد من المهتمين بالدكتور معبرين عن خشيتهم على اغتياله ،

ماذا خسر السودان باعتقال الدكتور الجزولي

الفترة الانتقالية يجب ان تتميز بالعقلانية وبعد النظر والتاسيس الاستراتيجي للدولة القادمة ، ويتم ذلك عبر اليات تحقق الاستقرار من خلال تعاون القوى السياسية ولكن نفسية الإقصاء لدي قحت وعقلية الاتجاه الواحد لدى المكون العسكري كانت سائدة وحالت دون الاستفادة القصوى من إمكانيات وطاقات الجزولي .

في ظل واقع كله بميل يسارا ، فبامكان الجزولي أن يجعل المشهد متوازنا فهو قائد تيار إسلامي عريض يضم في كنانته السلفية والصوفية والإسلاميين ، وهذا التيار له قدرته على وزن المشهد السياسي السوداني الذي تفرد به اتباع ماركس ولينين .

من مستلزمات الإدارة الاستراتيجية للدولة الإبقاء على أمثال الدكتور الجزولي في عمق المشهد السياسي فهو القادر على مواجهة المد الشيوعي بمزيد من تفنيد خطابهم بالحجة والمنطق من ناحية وبمزيد من تحييد الساحة من الاندفاع نحو اطروحاتهم ويستطيع الجزولي مجاراة الشيوعيين في الحشد والتعبئة والتحدث بلغة الشارع وتجيير التيار الإسلامي للقيام بذلك.

من مطلوبات ادارة الازمة وادارة االازمة بالازمة وجود أمثال الدكتور الجزولي في المشهد السياسي فهو الذي يحقق التوازن في الخطاب الاعلامي والسياسي من ناحية وفك الاختناق السياسي والاحتقان وتذليل عملية الانتقال الديمقراطي .

يستطيع الجزولي عبر تاثيره الخطابي تحويل الشباب إلى طاقة إيجابية منتجة ومعينة للانتقال الديمقراطي بدلا عن الخمول والحياد السلبي والتخريب والإحباط الذي يسود قطاع الشباب ويغلق الأفق أمام السودان .

اترك رد