علاء الدين محمد ابكر يكتب : حصار الخرطوم مابين حنكة غردون وقبلية ترك و عبور حمدوك

0

متابعات/ الرائد نت

(خلفية تاريخية)

في العام 1884م قامت الحكومة المصرية التي كانت خاضعة في ذلك الزمان للاحتلال الإنجليزي بارسال الجنرال غردون باشا حاكم عام علي السودان بهدف واحد فقط وهو اخلاء السودان من الحاميات العسكرية المصرية المتبقية بعد سلسلة من الهزائم التي تكبدها الجيش التركي المصري المحتل للسودان علي يد جيوش الامام محمد احمد المهدي الذي صارت زمام امور البلاد بيده ولم يبقي خارج سيطرته الا مدن الخرطوم والجزيرة وسنار ودنقلا ولكن غوردون باشا عقب وصوله للخرطوم خالف تلك التوجيهات بسحب الحاميات العسكرية المصرية من السودان وبدلا عن ذلك شرع في مخاطبة الامام المهدي بالاعتراف به ليكون سلطان علي عموم مناطق كردفان ودارفور علي ان يحتفظ غوردون بشمال وجنوب وشرق البلاد لتكون تحت حكم التاج الإنجليزي وهذا ما رفضه الامام المهدي الذي زحف بقواته صوب الخرطوم واحكم حصارها عليها حيث تسببب ذلك الحصار في ارتفاع اسعار المواد الغذائية وانتشار المجاعة والامراض بين المواطنين ولكن الجنرال غردون باشا لم يقف مكتوف الايادي فشرع في مقاومة ذلك الحصار
حيث أرسل بعض الجيش بقيادة حسن باشا حسين لكي يجلوا المحاصرين عن أماكنهم، ووقف غوردون على سطح قصره يراقب جنوده منه من خلال تلسكوبه فرأى بعض ضباطه يفاوضون الثائرين في التسليم، فأحضرهم في الحال وعقد لهم محكمة عسكرية، ثم ضربوا بالرصاص لقد استطاع الجنرال غوردون باشا وبما يملكه من خبرات ان يمنع احكام الحصار المطبق علي الخرطوم حتي لاتكون زمام المبادرة بالهجوم لدي الطرف الاخر لذلك تاخر فتح المهدي للخرطوم عام كامل وفي محاولة اخري منه لفك الحصار أغار الجنرال غوردون باشا على امير جيش المهدية المكلف بحصار المدينة الشهير (بأبي قرجة) وجرحه، وأجبر قواته التي كانت قد طوقت الخرطوم علي التراجع لقد جهد غوردون باشا جهده لكي يثبت حتي انه أعلن لسكان الخرطوم أن جيشًا إنجليزيًّا قادم إليه، ( حملة الانقاذ) و ليرفع الروح المعنوية لسكان وجنود الخرطوم وفي سبيل ذلك شرع غوردون باشا في طبع نقودًا من الورق وكان يوزع الأوسمة والرتب كل يوم بلا حساب لكي يشجع الجنود، ويامر فرقة الموسيقي بعزف المارشات العسكرية في شوارع المدينة لبث الحماس لدي الناس والجنود ولما أخذت الأحوال تسوء واليأس يحل، كان هو يجاهد في تحميس الجنود وترجيتهم، ولكن اليأس قلب الرجاء، فلم يعودوا يروا فائدة في هذه الأوسمة والرتب، أما نقود الورق فربما كان هناك من يشتري ورق الجنيه بقرشين آملًا أملًا ضعيفًا في الربح إذا جاءت المصادفات بانتصار غوردون علي المهدية ورغم ذلك لم يكن أحد يصدق وعود غوردون ومع احكام المهدي حصاره علي الخرطوم تسرب الياس والاحباط لدي الجنود في ظل وعود غوردون باشا بقدوم حملة انقاذ من الجيش الانجليزي لفك الحصار عن المدينة وهذا لم يحدث الا بعد اشهر وذلك يرجع الي عدة عوامل منها عدم توفر اجهزة اتصال متقدم حتي توكد مدي صدق مزاعم غوردون باشا بان حملة الانقاذ في الطريق ولو أن باخرة واحدة حملت بعض الجنود وجاءت بهم إلى الخرطوم وأخبرتهم بأن الإنجليز انتصروا، وهم في طريقهم إلى الخرطوم لامتلأت قلوب السكان والجنود حماسةوصدقوا وعود غوردون، وفي جانب اخر كانت مديرية دنقلا لا تزال ثابتة على ولائها للحكومة التركية المصرية وذلك يرجع إلى مكر مديرها مصطفى بك ياور؛ فإنه عرض تسليم المدينة إلى المهدي مرتين ولكن المهدي توجس شرًّا منه لأنه تركيٌّ، وأرسل أحد قرابته سيد محمود علي لكي يشترك هو و الشيخ حداي في تسليم المدينة، فلما علم مصطفى بك ياور بذلك وكان عنده في ذلك الوقت ضابط إنجليزيٌّ، هو اللورد كتشنر، يشجعه على القتال جهز جيشًا وأوقع بحداي ثم سحق المهديين في كورش، وقُتل الأميران محمود وحداي أما في سنار فلم تكن الحال على ما يرام؛ فقد حوصرت وكان المدخر بها من القمح كثيرًا، ولكن مواصلاتها كانت مقطوعة، وحاول الحاكم نور بك أن يرد المحاصرين فنجح وأرجعهم إلى مسافة بعيدة
كان هذا هو الحال السياسي في السودان قبل 140 عام و التاريخ اليوم يعيد نفسه مع حكومة السيد حمدوك المحاصرة بالعديد من المشاكل والازمات رغم ان غوردون باشا لم يستسلم وحاول الحيلولة دون سقوط الخرطوم بالقيام بعدد من المحاولات بتخفيف الضغط عليه عكس السيد حمدوك الذي لم نسمع له صوت واحد منذ قيام الناظر ترك باغلاق طرق ومواني الشرق وتهديده للامن الغذائي للبلاد مماجعل الخرطوم تعيش في وضع صعب جدا بارتفاع لم يتوقف اصلا للاسعار من طرف التجار الجشعين اضافة الي خروج عدد من المخابز عن الخدمة نتيجة لشح الدقيق واكبر المصائب جاءت بالامس وهي قيام مواطني مدينة دنقلا بمنع ترحيل اطنان من القمح من المستودعات الي الخرطوم بغرض تخفيف الوضع بالعاصمة تاتي هذه المشاكل في ظل بداية العام الدراسي وشي طبيعي ان يحتاج التلاميذ لتناول وجبة الافطار ولن تكون (الكسرة او العصيدة) بديلا عن الخبز لذلك اتي قرار وزارة التربية بالخرطوم بتخفيض ساعات الدراسة نتيجة لعدم توفر الخبز الغريب في الامر هو عدم تحرك الحكومة المركزية لفعل شي لانقاذ البلاد من شبح الجوع وانعدام الغاز وامدادات الوقود
بالرغم من ان تهديد الناظر ترك باغلاق طرق ومواني الشرق لم ياتي فجاة والرجل ظل يهمس بذلك منذ اشهر كان حينها علي حكومة السيد حمدوك ان تشرع في تكوين لجنة لادارة الازمة وتكون من ضمن اعمالها تخزين اكبر قدر ممكن من القمح والوقود والدواء لمجابهة اي تهديد ولكن لاحياة لمن تنادي و حتي مرور نفط دولة الجنوب للتصدير الي مواني البحر الاحمر بات مهدد بالتوقف وهذا ماسوف يكلف السودان غرامات بالدولار في حال اصيب خط نقل النفط بضرر نتيجة استمرار اغلاق طرق ومواني الشرق
ويبقي السوال لماذا الشعب يدفع ثمن عدم وفاق المكونيين (العسكر والمدنيين ) فهذه المشكلة هي من صميم مهام مجلس الدفاع والامن المشكل من مدنيين وعسكر الهدف منه حماية امن واقتصاد البلاد و يكفي عقد جلسة واحدة لهذا المجلس واعلان حالة الطوارئ بشرق السودان وتكليف الشرطة بحماية المواني وفتح المعابر والطرق القومية
لم يخرج الناس في ثورة ديسمبر الا بالمطالبة بحقوقهم في العيش الكريم وهذا يشمل حتي مواطني شرق السودان علي اساس حق المواطنة ولكن مايحدث من استغلال للقبلية بالزج بها لنيل مطالب سياسية امر مرفوض ويجب أن يقابل ذلك الاستغلال ببسط هيبة الدولة كما كانت تفعل الحكومة في دارفور وجبال النوبة حيث كانت اللغة الوحيدة للحوار هي لغة الحرب بالرغم من ان الناظر ترك لم يرفع البندقية ولكنه بات يهدد حياة ملايين السودانيين بسبب منع تدفق الغذاء والدواء والوقود عكس حركات الكفاح المسلح التي لم تعطل مشاريع الشعب في يوم من الايام ان شعب الشرق لم يفوض الناظر ترك ليتحدث باسمه فهو ناظر لقبيلة وليس لعموم الشرق الذي يضم مكونات عرقية اخري لذلك عليه رفع هذا التمرد وفتح الطرق والمواني والمصيبة الاخري بالخرطوم العاصمة فان هناك فئة انحرف بالثورة الي اهداف اخري خلاف مطالب الثوار الحقيقين و السيد حمدوك لايملك الا ترديد عبارة (سوف نعبر ) وهو بالرغم من انه لم ينتخب الا انه كلف في المرحلة الانتقالية بادارة وترجمة اهداف الثورة ومنها توفير حياة كريمة للمواطن السوداني في شتي بقاع الوطن ولكنه بكل اسف شرع في كسر ظهر المواطن المسكين برفعه للدعم الحكومي عن العديد من الخدمات مثل الوقود والغاز والكهرباء وبذلك تضرر المواطن كثير والذي وجد نفسه مابين مطرقة التجار الجشعين وسندان تجاهل الحكومة لمطالبه التي خرج من اجلها
والناظر ترك لن يجد تعاطف من عموم الشعب السوداني عكس الامام المهدي الذي عندما حاصر الخرطوم في العام1884 كان يتحرك بوعي قومي وليس من منطلق قبلي ضيق فاشترك كل اهل السودان في حصار الخرطوم فكان في الشرق عثمان دقنة وفي جنوب الخرطوم كان الشيخ العبيد ود بدر وفي الشمال كان الجعلين وعرقلة حملة انقاذ غردون في منطقة ابوطليح وفي الغرب زحفت جحافل اهل الغرب برفقة الامام المهدي لتكتب الفصل الاخير من حصار الخرطوم فالناظر ترك اذا كان يعرف عن تاريخ السودان شي لما اقدم علي تقديم المصلحة القبلية علي القومية
فمايحدث منه باغلاق الطرق لاجل الضغط علي المواطن الغلبان الذي لاحول ولا قوة له لا يعتبر عمل ثوري فاذا كان يريد فصل الشرق فمالذي يمنعه من ذلك ؟
ليكن شجاع ويعلن عن استقلال الشرق بدون ابتزاز وبعدها سوف يتوقف مصير استقلال دولته المزعومة علي ردود افعال المجتمع الدولي والذي لن يعترف بتلك الدويلة فالشرق جزء اصيل من جمهورية السودان ولن يستطيع الناظر ترك ولاغيره تقسيم السودان والتاريخ لن يغفر له تعريض وحدة البلاد للخطر وربما لايعلم الناظر ترك انه يعرض مصالح دول تربطها بالسودان اتفاقيات تجارية دولية للخطر ويهدد ارواح العديد من الناس في السودان ودول اخري بتوقف انسياب الدواء والغذاء وهذا يجعله في موضع اتهام جنائي دولي حسب اتفاقية جنيف لسنة 1949
اذا علي كافة الاطراف (عسكر ومدنين) الجلوس مع بعضهم البعض والاعلان عن فشل الفترة الانتقالية و الدعوة الي اجراء انتخابات مبكرة حتي يتمكن الناس من الخروج من هذا النفق المظلم فما يحدث من ازمات بشكل شبه دائم لن يجلب السلام والاستقرار للبلاد خاصة في ظل تنامي الروح القبلية وتفشي العنصرية والعرقية والكراهية بين السودانيين فالافضل الاتفاق علي انهاء الفترة الانتقالية حتي لاتضيع البلاد والعباد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.