بشارة جمعة أرور يكتب : الراهن السياسي و التدخلات الخارجية

0

متابعات/ الرائد نت

التوافق الوطني ممكن ومطلوب بإلحاح

الراهن السياسي نتاج بذرة التدابير والإجراءات التي وضعتها الحكومات الاستعمارية، لذلك ظهرت تلك الأحزاب كوريث مباشر ولما لا والحكومات الاستعمارية هي التي وضعت لها الدستور وسمحت لؤلئك الساسة المدجنين أن يحولوا جمعياتهم وحركاتهم التي كانت أصلاً بمثابة جمعيات ثقافية أو اجتماعية إلى أحزاب سياسية. لقد عمدت الحكومات المستعمرة على تدعيم تلك المنظمات و الأحزاب السياسية ذات القاعدة الطائفية أو الإقليمية أو الجهوية والقبلية في مواجهة الحركات الثورية الوطنية التي ترفض تنفيذ سياسات الولاء والتبعية العمياء ومنذ ذلك الوقت ظل الراهن السياسي هو هو كما كان في كل الحقب والازمنة ومازال إلى اليوم مثل (جمل العصارة) يدور ويدور وهو معصوب العينين ولا يدري هل قطع مسافة وإلى اين يذهب، أم أنه ظل يراوح مكانه…
وهذا الشكل المشوه المبتور أنتج صراعات حقيقية بين الجماهير والقيادات السياسية حيث أن الجماهير تسعى لنيل حقوقها في الممارسة السياسية الراشدة والقيادة تسعى لتكبيلها و حرمانها أحياناً من أبسط حقوقها الديمقراطية في المشاركة وصناعة القرارات بتحديد المرتكزات الأساسية لبناء أسس وقواعد العمل لبلوغ المرام والمبتغى من الغايات السامية لتأمين مستقبل أجيالها،لذا جاءت حصيلة تجاربنا السياسية ومعاناة الشعب السوداني الأبي مع الأحزاب وممارساتها السياسية وطرق اختيار نوابها، مشوهة لأنها قامت على تغييب الوعي والإدراك الكامل لمبدأ الإرادة الحرة للمجتمع في ممارسة الاختيار بناءاً على القيم الأخلاقية لممارسة الديمقراطية وحرية التعبير والانتماء… ولأدهى من ذاك،
الاستغراق في الحالة المرضية لظاهرة التشرذم والتشظي لكل القوى السياسية من أحزاب وحركات…،والتي سرعان ما تتحول إلى مجموعات من القوى المستنسخة بشكل مخيف…ولم تكن تلك الظاهرة لشيء غير أنها وسيلة تسعى بها للوصول إلى السلطة ويا ليتها كانت قادرة أن توظف هذه السلطة بعد نيلها في تطوير الأداء لمؤسسات الدولة…
ومن أجل معالجة هذه الظواهر السياسية السالبة في السودان لابد من التوافق، والتوافق يحتاج إلى إتفاق وهذا يتطلب التفاهم من أجل إتخاذ مواقف مشتركة لتغليب المصلحة الوطنية والبحث عن الحلول الممكنة للقضايا المشتركة والمقبولة لتجاوز كل التهديدات والتحديات والمخاطر التي تحيط بالبلاد والتي تحيق بمسار الانتقال الديمقراطي وتثبيت التجربة الديمقراطية بممارسـة السياسية الناضجة.
لكنها اليوم أصبحت مهددة وتبدو آفاقها غامضة بل أن البعض يعتقد أن التوافق في ظل هذه المرحلة المعقدة قد إنتهى وربما يأخذ شكلا آخر أو يتبدد و يتلاشى ليترك مكانه للتجاذبات والصراعات، مما يفترض علينا التساؤل عن إمكانية آفاق التوافق ونحن على أبواب الفتن والتي قد تنفتح على مصرعيها، ومع ذلك ومن أجل مصلحة البلاد والعباد نؤكد أن هذا التوافق الوطني المعني يختلف تماماً عن توافق التحالفات والتكتلات التي تعني ضمنيا أرضية سياسية مشتركة وبرنامج عمل موحد بين مكونات أو أطراف سياسية…، فالتوافق الوطني الممكن ومطلوب بإلحاح، عبارة عن ائتلاف بين مجموعات وتكتلات من القوى السياسية و التنظيمات…، و المختلفين والمتنافسين في السلطة…، غلبوا المشترك على المختلف فيه وقرروا تحمل المسؤولية الوطنية المتبادلة من أجل الوصول إلى شاطئ الأمان وبر النجاة في
التجربة الديمقراطية الراسخة في ظل ظروف اشتدت فيها الاضطرابات والصراعات داخلياً، والأوضاع الإقليمية والدولية تواجه تطورات خطيرة من شأنها أن تؤثر سلبياً على الأوضاع في السودان لو بقيت الخلافات والصراعات هي السائدة وظلت الحسابات الحزبية والشخصية الضيقة هي الطاغية على مصلحة الوطنية العليا.
فيا أبناء وبنات السودان الزمن ليس في صالحنا دعونا نسعى جميعاً جاهدين ونطلاق العنان لافكارنا ونعتمل عقولنا في الآفاق الفكرية لاكتشاف ما هو أفضل ومفيد للبلاد والعباد، وهذه الآفاق لا يمكن أن تكتشف إلا بالحوار الجاد والمفتوح وبعقول وقلوب نقية تقبل على بعضها البعض في إطار السعي لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بتغليب الأمر الإيجابي المشترك على السلبي المختلف عليه.
و إن كان لا شيء يبقى ثابتا في السياسة إلا أن هذه المرحلة البالغة التعقيدات والتحديات والمخاطر التي تحيط بالبلاد تجبرنا على أن نجعل ذلك ممكناً، و إذا خلصت النوايا حتماً ستكون هي المطايا لمواجهة كل الصعاب و وعورة الطريق نحو الغاية المنشودة والمرجوة وهي نجاح الفترة الانتقالية والوصول إلى التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة.
وهذه هي الآفاق التي نرنو إليها لبلوغ نهاية المقصد، ألا وهو النظام المدني الديمقراطي الذي ينشده الكل.
وختاماً المفتاح السحري لتحقيق الوفاق الوطني هو رفض كل أنواع التدخلات الخارجية التي تضر بمصالح البلاد، والرفض القاطع لكل أشكل التعليمات والإملاءات كافة من أي جهة أجنبية وخارجية مهما كانت علاقتها بالسودان، وبذلك نستطيع أن نصون القرار السياسي و سيادة الدولة وكرمتها ونحقق وحدة الصف والأهداف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.