د. محمد الزين محمد يكتب : التدخل الدولي ومستقبل الإنتقال الديمقراطي

0

متابعات/ الرائد نت

بات من الواضح عدم وجود التناغم بين من يسعون للانتقال الديمقراطي من خلال المحافظة على الامن القومي الاستراتيجي السوداني وبين مؤيدي الانتقال الديمقراطي بتدخل أممي، ويتعمق هذا الفهم مصحوب بأزمة في الحكم بين تيارات المؤسسات السيادية و التنفيذية و قوى الحرية والتغيير وبقية الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والقوى الاجتماعية، خاصة بعد مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في يوم الأربعاء 8 سبتمبر 2021، من مجلس الأمن المساعدة في مواجهة تهديدات ضد المدنيين في إقليم دارفور. حيث جاء ذلك في جلسة نقاش مفتوح لمجلس الأمن بالمقر الدائم للأمم المتحدة في نيويورك، حول “بعثات حفظ السلام وعمليات الأمم المتحدة الانتقالية”.

وقال أنطونيو خلال الجلسة: “عند إغلاق أي بعثة للأمم المتحدة، فإن المخاطر التي يتعرض لها المدنيون والفئات الضعيفة لا تتلاشى بهذه البساطة”. ونضيف الى أنه وفي 31 ديسمبر 2020 توقفت رسميا مهمة بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي المشتركة “يوناميد” في دارفور، وأضاف الأمين العام أنطونيو: “نحن بحاجة إلى مساعدة الحكومات على إنشاء أنظمة أقوى للأمن والحماية، وضمان وفاء أطراف النزاع بالتزاماتها بموجب القانون الدولي”.

و أضاف: “نحن بحاجة أيضا إلى مساعدة هذا مجلس الأمن لمواجهة أي تهديدات متبقية للمدنيين (بالإقليم)”. و إن الوضع في دارفور هو تذكير صارخ بضرورة التزام اليقظة .. وسحب مهمة حفظ السلام وإنشاء بعثة سياسية أخرى (يونيتامس) جاء مصحوبا بالعنف الطائفي والمتكرر”. ومن جانب آخر وفي 4 يونيو 2020 تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع، قرارا بإنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس). وأكد غوتيريش، إلى “وجود العديد من الحالات الأخرى التي تثير القلق بشدة وتذكرنا بأن السلام عملية طويلة”. وختم حديثه: “دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يظل أساسيا مع استمرار هذه البلدان في رحلاتها نحو تحقيق السلام (..) السلام هو السبيل الوحيد إلى مستقبل مستدام”. لكل ذلك نفهم أن التدخل الدولي أصبح جزءا أساسيا من عملية الانتقال الديمقراطي و لو على حساب الأمن القومي الاستراتجي السوداني ومن جانب أخر أصبحت عملية السلام أيضا مطلبا دوليا ولو بسوء نية، رغما من قناعات الشعب السوداني أن السلام من شعارات ثورة ديسمبر وليس أجندة دولية، و أصبح الحال كوضع العقدة في المنشار.


ولأهمية موضوع التدخل الدولي في الشأن السوداني بعد ثورة ديسمبر المجيدة سنوضح المؤشرات الاربعة لمجلس الأمن -الامم المتحدة- لرفع العقوبات الخاصة بدارفور، والتي تتمثل في تقرير الأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس (31 يوليو 2021-S/2021/696) ليستهدي بها في عملية رفع عقوبات دارفور المفروضة على السودان والمتمثلة في حظر السلاح وعقوبات على المؤسسة العسكرية وقادة الحركات المسلحة في دارفور الموقعة وغير الموقعة على إتفاق جوبا، كما أوردها في التقرير ، وأوصى كذلك تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بأن يعتمد مجلس الأمن المرجعيات التي حددها ويطلب من الأمانة العامة معلومات عن التقدم المحرز لتنفيذها في غضون ستة أشهر من اعتمادها، قبل انهاء حظر دخول السلاح لمنطقة دارفور. وكل ذلك بعد أن دعا السودان لرفع العقوبات الخاصة بدارفور التي فرضت قبل 15 سنة بموجب القرار “1591”، موضحة إن حظر السلاح يحول دون فرض الأمن بالإقليم وحماية المدنيين.

ومن جانب آخر أبدت الحكومة خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن والدفاع السوداني، تحفظاتها على هذه التوصيات الواردة في التقرير مشددة رفضها لأي “وصاية على البلاد”.
المؤشرات الأربعة لمجلس الأمن- الامم المتحدة
المؤشر المرجعي الاول:
يتعلق بالتقدم المحرز في الحوكمة السياسية والاقتصادية بتشكيل المؤسسات الانتقالية والمفوضيات بما فيها البرلمان ومفوضية قسمة وتخصيص ومراقبة الموارد والإيرادات المالية ومفوضية الأراضي والحواكير بدارفور ومفوضية الرعاة والرُحَّل والمزارعين ومفوضية النازحين واللاجئين.
المؤشر المرجعي الثاني:
يتعلق بالتقدم المحرز في الترتيبات الأمنية الانتقالية في دارفور بما في ذلك نشر قوة حفظ الأمن وبدء عملية إدماج قوات الأطراف الموقعة على اتفاق السلام في القوات النظامية وإدارة القوات التي لن تدمج بشكل فعال من خلال برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.
المؤشر المرجعي الثالث:
يتعلق بإحراز تقدم في خطة العمل الوطنية لحماية المدنيين عبر تعزيز الجانب المدني للأمن بحماية لجان المدنيين وجمع الأسلحة وإيصال المساعدة الإنسانية وسيادة القانون والعدالة.
المؤشر المرجعي الرابع:
يتعلق بإحراز تقدم في العدالة الانتقالية والمساءلة بما يتماشى مع التزامات أطراف اتفاق جوبا للسلام والبناء على عهد التعاون الجديد بين المحكمة الجنائية الدولية والحكومة الانتقالية.

أهم حيثيات أنطونيو غوتيريس في تقريره وتوصياته:
1- بعد ثورة ديسمبر 2018 تغيَّر السياق الذي فرض فيه مجلس الأمن العقوبات على دارفور.

ولابد من مجلس الأمن أن يبحث في مؤشرات مرجعية ممكنة لمراجعة نظام العقوبات المفروضة على السودان الذي أنشئ وفقاً لقراره 1591 (2005)، بما في ذلك رفع حظر توريد الأسلحة.
2- أكد أن العقوبات الواردة في القرار الذي يعود لأكثر من 15 عاما لا تستهدف الحكومة الانتقالية بل تدعم جهود الحكومة الرامية إلى استعادة السلام والاستقرار في دارفور بشكل كامل.

3- أبدى قلقه من بطء تنفيذ اتفاق السلام الموقع بجوبا في أكتوبر 2020، فضلا عن تردي الحالة الاقتصادية المتردية.
4- انتقد عدم توضيح سلطات حاكم إقليم دارفور إزاء ولاة الولايات، وعدم تحديد الهياكل الإدارية للإقليم والولايات مما يعوِّق تنفيذ التفاصيل التي اتفقت عليها الأطراف الموقعة.
5- أكد على أن الحالة الأمنية الراهنة في دارفور لا تزال تثير القلق ورجح أن يكون انسحاب بعثة حفظ السلام “يوناميد” قد ترك فراغا أمنيا لم تملأه بعد الحكومة الانتقالية أو السلطات على مستوى الولايات.
6- شدد أن البُعد الإقليمي للحالة الأمنية المتعلقة بدارفور لا يزال يشكل أيضا مصدر قلق شديد في ظل تحديات أمنية تفرضها سهولة اختراق الحدود بين إقليم دارفور وليبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان.
7- أشار إلى أن فريق الخبراء المعني بليبيا قدّر أن ما يتراوح بين 4000 و5000 مقاتل دارفوري ومعداتهم ما زالوا في ليبيا؛ وقد تكون عودتهم وإعادة دمجهم عاملا مزعزعا للاستقرار في دارفور إذا لم تُنظَّم بعناية.
8- أفاد بأن بعض الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا للسلام تواصل تجنيد المقاتلين وهم يستعدون للعودة إلى دارفور رغبة منهم في زيادة عدد قواتهم في عملية دمج القوات الواردة في الاتفاق.
9- أشار إلى أن لدى حركة العدل والمساواة قوة صغيرة في منطقة راجا بولاية غرب بحر الغزال في جنوب السودان، تجند مقاتلين جدد استعدادا لعودتها إلى دارفور.
10- أوضح أنه بعد توقيع الاتفاق أقامت حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي وتجمع قوى تحرير السودان معسكرات صغيرة بقرب بيدا في ولاية الوحدة بجنوب السودان لتجنيد مقاتلين جدد.

ماهي مبررات الحكومة لإلغاء العقوبات؟
1- إلغاء العقوبات سيمكن الحكومة من إعادة بناء قدرات قواتها الأمنية وتعزيز السلام في دارفور والمنطقة حيث تقوم عصابات بتهريب الأسلحة والأشخاص.
2- أن الوضع الأمني بدارفور في تحسن مضطرد، حيث لم يتم انتهاك وقف إطلاق النار بين الحكومة والحركات الموقعة على اتفاقية اسلام منذ التوقيع عليه، وتنفذ الحكومة اتفاق جوبا للسلام على الأرض بالتنسيق مع جميع شركاء السلام.
3- أن العقوبات التي فرضت على السودان قبل 15 عاما عملا بالقرار 1591 والقرارات اللاحقة “فقدت أسبابها تماما ولم يعد هناك مبرر لها”.
4- استعداد السودان للمشاركة مع المنظمة الدولية لوضع معايير واضحة ومحددة جيدا تمكن مجلس الأمن من إنهاء العقوبات.

الخاتمة:
برغم حيثيات التقرير الدولي و دواعيه وإستمرار العقوبات على السودان ، الا أن الشاهد في الامر أن القرار الدولي رقم 1591 لسنة 2005 أصبح مدخلا ومسوغا للتأثير في مستقبل الحكم في السودان وشكل الدولة ومستقبل شعبها أكثر من حل لنزاع مسلح نشأ في دارفور لاسباب وعوامل موجودة في كل أقاليم السودان، ولكن هذه المرة التعامل الدولي يخترق العقل الاستراتيجي للدولة وبنيتها الثقافية والاجتماعية و الاقتصادية والسياسية في تشبيه للاستعمار الناعم، وذلك لتحقيق أجندة مصالح دولية أكثر من الاهتمام بتحقيق الامن والسلم الدوليين. لذلك يأتي هذا المقال كمحاولة للبحث عن مآلات التدخل الاممي والى أي مدى و ما قد ينتج منه سلبا و إيجابا على حاضر ومستقبل السودان.

و يظل الباب مفتوح لخبراء الاستراتيجية والامن القومي والعلاقات الدولية في حوار متصل ومفتوح عن مستقبل السودان بعد القرارات الدولية الخاصة بإقليم دارفور خلال الفترة الانتقالية. وسيظل السلام مطلب إستراتجي للشعب السوداني المتسامح، وسيظل السلام هدفا أساسيا من أهداف ثورة ديسمبر المجيدة، ومن شعارتها: حرية سلام وعدالة.

اترك رد