في عيد الجيش السوداني عمار محمد آدم يكتب الديمقراطية العسكرية
الخرطوم الرائد نت
ديمقراطية العسكرية هي تنظير جديد وحي وراقي جاء به استاذنا الكبير عبدالله زكريا وهو رجل يحمل هم هذا الوطن ويستوعب مكوناته السياسية والاجتماعية. ولقد سبق لي ان اجريت حوارا صحفيا مع الراحل السيد الامام الصادق المهدى رحمه الله عقب خروجه من السجن الاول بعدوانقلاب الانقاذ لصحيفة السوداني الدولية. وذكر لي فيه انه يبحث عن صيغة للموائمة ما بين السلطة والشرعية وكان يقصد بالسلطة الجيش وبالشرعية الديمقراطية.
السيد عبد الله زكريا كما ذكرت رجل له رؤي سياسية مستمدة من تجربته الواسعة الكبيرة وقراءته للواقع السياسي وقد اطلق عليها ذلك الاسم وهي رؤية عظيمة ومتكاملة وتشكل الحل الامثل للخروج من الدورة الجهنمية بين المدنيين والعسكر وهي مكتوبة لديه وعن ذلك ابدي بعض الافكار والملاحظات فقد كانت اكتوبر قد دقت اسفينا مابين الشرعية والسلطة او الجيش والثوار. و ان الاوان للخروج من دائرة المالوف الي فضاءات التفكير الحر وغير المألوف المتحرر من عقد الماضى ومرارات الحاضر. مستلهمين مسيرة العظماء من اسلافنا من لدن بعانخي وترهاقا وارثنا النوبي العظيم مرورا بالدويلات المسيحية والسلطنات الاسلامية وحتي الثورة المهدية وحركة اللواء الابيض بكل ما يمثله من عظمة الجيش السوداني من رمزية وطنية في التاريخ السياسي الحديث منذ ثورة اللواء الابيض وعلي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ والبيك عبد الله خليل والفريق ابراهيم عبود والمشير جعفر نميرى وهاشم العطا وبابكر النور وللشرفاء من ابطال القوات المسلحة الذين رووا تراب هذا الوطن بدمائهم الطاهرة وحملوا قيم ومبادئ هذه الامة العظيمة .
الديمقراطية العسكرية لربما تعرض تجربة النظام التركي القائم الان بوجه جديد حين يكون الجيش هو الحارس للديمقراطية وفق أحكام الدستور وله دوره في الحياة السياسية. ليس علي المستوي الامني فقط. ولكن علي مستويات مختلفة من الحكم. والجيش الآن هو الجهة الوحيدة التي تتعامل مع الاستراتيجيات القومية. ودراسات الاكاديمية العسكرية والزمالة العسكرية فيها جوانب تتصل بكل جوانب الحياة. بالاضافة الي دور الاستخبارات العسكرية الكبير في الاحاطة بكل جوانب الحياة العانة ومرونة القوانين واللوائح المنظمة لعملها. حتي كادت الاستخبارات العسكرية ان تكون حزبا سياسيا. ثم الجهود الكبيرة و المضنية للباحثين العسكريين في كلية القادة والاركان ومراكز البحوث والدراسة الاستراتيجيات.
كل ذلك بشكل تفوقا للقوات المسلحة وبكثير او بما لايقاس بالذي تقوم به الحركة السياسية الان وقبلا. ان الجيش السوداني العريق كان ومايزال جزء أساسي من الحكم والحياة السياسية السودانية. وقد حكم البلاد لما يقرب من ستين عاما في تاريخها الحديث. وصار واقعا يفرض نفسه بالحاح وقوة. سواء شئنا ذلك أم أبينا وله الان ابعاد إقليمية ودولية هامة.
المؤسسة العسكرية السودانية تحظي بكثير من التقدير والاحترام لدي كثير من دول المنطقة والعالم.الذي يتعامل مع الجهة الاقوي. و الامريكان الان بصدد تعاون كبير في مجال الزراعة والتنقيب والخدمات مع الجيش تحت البند السادس وستاتي الشركات الامريكية لتعمل في السودان تحت مظلة الامم المتحدة متجاوزة بذلك الحركة السياسية برمتها. أننا نحتاج إلي نظرة واقعية للأشياء ومن ذلك ان الجيش جزء من الحياة السياسية في السودان ولابد من تقنين هذا الوضع. ومن ثم وضع الأسس النظرية له من واقع التجارب الوطنية والعالمية. والان وبعد القرار الذي يقضي بتكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية من بعد وصول قادة الحركات المسلحة للبلاد فاننا نضع اقدامنا في الطريق الصحبح في اتجاه الدعوة التي اطلقها الامام الصادق المهدي رحمه الله لايجاد صيغة للموائمة بين المدنيين والعسكريين.
لقد آن الاوان ان تتغير لغة الخطاب السياسي التي تستعدي الثوار علي الجيش الامر الذي يعتبر مناف للاخلاق ويسير في اتجاه النظرة الحزبية الضيقة خاصة لدي الاحزاب العقائدية واصحاب الايدلوجيات الذين يلجأؤن الي العسكر كلما اشتد القمع عليهم وعلي المتظاهرين وبدات مظاهر التقهقر والانكسار للاندفاع والمد الثوري فيتحرك الجيش بالانحياز الي الشعب وتحقيق الانتصارات. وكان ذلك في الثورات الثلاث اكتوبر وابريل وديسمبر. او قد يتأمرون مع ثلة من الضباط للقبام بانقلاب عسكري يطيح بالنظام الديمقراطي الحزبي مثلما حدث في عهد الاميرلاي عبد الله خليل رئيس وزراء حزب الامة. وماحدث من الحزب الشيوعي السوداني وانقلاب مايو ١٩٦٩ ثم انقلاب الانقاذ ومن ورائه الجبهة الاسلامية في العام ١٩٨٩. وكان هذا ما بصدده بعض الجهات لاجهاض ثورة ديسمبر والانقضاض علي الحكم خلال الفترة الانتقالية مستغلين هشاشة الوضع ااسياسي والامني.اما الجيش فانه خط احمر لم تستطيعوا هزيمته الحركات المسلحة او كسر شوكته عبر مسيرة طويلة من الاقتتال المر بين ابناء الوطن الواحد. يسقطون المدن. ولكنه سرعان مايستردها يهجم كهجمة الاسد الهصور او الليث الكاسر الهزبر فتتهاوي كل عروش المؤامرات وتنهار كل ابنية الكيد.. فقط لانه الجيش .من صلب هذه الامة ومن عمق احساسها الوطني العميق .انه الجيش الميري الاخضر (والمر المابيتلاك والصعب المابيتقدر) .. وهو لايضيره مايقولون (كناطح صخرة يوما ليوهنها.. فلم يضرها واوأوهي قرنه الوعل) وهو ضارب في اعماق التاريخ. متجذر في اعماق الامة عتيق .عميق .بحر خضم لاساحل له من الامجاد والمفاخر والتاريخ الزاخر والقيم والرجال الشم الأشاوس .والمواقف الصلبة العظيمة .وعلم الاستراتيجية الغزير..
الجيش صخرة تتحطم عندها كل مشروعات التقزيم والتقسيم والتجزئة.. فالجيش امين علي الوطن ارضه وسماؤه وعرضه. وهو الاب الروحي لهذه الامة يستشعر المسؤولية تجاه أرضها وشعبها و دينها و قيمها واخلاقها. ومبادئها وعاداتها وتقاليدها وتراثها الزاخر .وحضارتها. . هو جيش من لدن بعانخي وترهاقا والبركل العظيم. هو جيش نهر النيل الازرق والابيض ونهر عطبرة وجيش الاماتونج والتاكا وجبل مرة .هو جيش الختمية والانصار هو جيش السودان (والجيش جيش السودان.. والجيش ما جيش الكيزان) (والجيش جيشنا ونحنا اهلو ونستاهلو) وهكذا كانت هتافات الثورة والثوار. الجيش خط احمر ..( فلا توجد منطقة وسطى مابين الجنة والنار) فاما ان نكون اولا نكون. . ولابد ان نكون. وبالجيش وحده يحيا السودان ونكون .. . والجيش السوداني والجيش المصري توأمان. اذا اشتكي من احدهم عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي. السودان ومصر وحدة أبدية. والجنوب لابد ان يعود والشرق أتي والغرب أتي.الجيش عجزت عنه داناتهم وراجمتهم واحابيلهم وحيلهم ومؤامراتهم. الجيش لن تعاد هيكلته الا اذا اراد هو ان يعيد هيكلة نفسه. والجيش لن تغير عقيدته القتالية شعاره لااله الا الله محمد رسول الله. وصيحة الحرب فيه الله اكبر..
الجيش كما قال لي الاستاذ محمد ابراهيم نقد رحمه الله (هو الذي يعيد الامور الي نصابها) .وان للجيش تجربة في الاستيعاب او الدمج والتسريح بعد اتفاقية اديس ابابا وكان القائد جون قرنق نتاج ذلك الاستيعاب. والرئيس سلفاكير كذلك والكثيرون من قوات الانانيا. ان لكل شأن في الجيش مكانه وأسسه ومعاييره.