أمين حسن عمر يكتب: السياسة الخارجية السودانية… فقدان البوصلة الاستراتيجية

0

متابعات | الرائد نت

كرنا آنفا أن سياسة إدارة بايدن في أفريقيا تحاول إستدراك إهمال إدارة ترمب لأفريقيا ورغم أن الإدارة الأمريكية لم تكشف عن توجهات إيجابية واضحة تجاه أفريقيا إلا أنها كشفت دون مواربة عن رغبتها في تحجيم الصين في القارة الأفريقية وإحتواء وإفشال جهود روسيا لتوسيع مجالات تحركها في القارة الأفريقية. فسياسة أمريكا رغم كونها تستهدف بالأساس الوجود والنفوذ الصيني لكنها لاتهمل التصدي للتوسع الروسي في القارة في المجالات الأمنية و الإقتصادية. و سياسة بايدن تجاه روسيا لا تقل حدة عن سياسة إدارته تجاه الصين وهو ههنا يفارق منهج ترمب المرن تجاه روسيا. فإدارة بايدن وسعت العقوبات الاقتصادية ولم تكف عن إتهام روسيا بالإرهاب السيبراني وحاولت بقوة إيقاف تدفق الغاز الروسي لأوروبا عبر خط الانابيب الجديد عبر المانيا وذهبت بعيدا في الاستفزاز بالقيام بمناورات واسعة في البحر الأسود قبالة منطقة القرم التي تتنازع حولها روسيا و أوكرانيا بعد أن إقترع سكانها للإنضمام لروسيا. وروسيا بدأت سياسة التوجه نحو آسيا وأفريقيا منذ العام 2014 ردا على العقوبات عليها من أوروبا وأمريكا ومنذ ذلك الوقت نشطت تحركاتها الدبلوماسية والأمنية و الإقتصادية. ومع التوجهات الجديدة نحو أفريقيا استعاد السودان أهميته في الأجندة الروسية ،فالسودان كان منذ وقت مبكر بارزا في أجندة روسيا ولك منذ أيام الإتحاد السوفياتي الذي تحرك من مصر الموالية له آنذاك فضمن قيام نظام في الخرطوم يشكل الشيوعيون كتلته الحرجة المؤثرة وإثر ذلك تحول الإتحاد السوفياتي بقوة لدعم الحكومة الجديدة دعما تنمويا وأمنيا وأنشأ أكبر إذاعة أفريقية في منطقة ريبا لتسمع موجتها المتوسطة و القصيرة في أرجاء أفريقيا وتنقل التعليم الماركسي بأكثر من لغة ولكن كل تلك الأطماع فشلت بمحاولة الحزب الشيوعي ربما بتوجيه من موسكو إحكام قبضته على البلاد مما أدى لصراع أنتهى بنكسة للحزب الماركسي الأولى بالرعاية في المنطقة، لكن الإتحاد السوفياتي نجح من بعد في الصومال و أثيوبيا قبل خسرانهما في التسعينيات ، ولكن وجهة الإتحاد السوفياتي الأفريقية الأولى بعد مصر كانت هي السودان الذي كان يراد بناء قاعدة عسكرية فيه في ميناء بورتسودان. وتحويله لقاعدة فكرية لنشر أيدولوجيا التحرير الأفريقي الماركسية. وكان السودان مرجوا لأن يحقق للإتحاد السوفياتي مصالح عديدة فهو يُعدُّ المدخل الأنسب لأفريقيا جنوب الصحراء عبر بوابة البحر الأحمر، حيث الثروات من اليورانيوم والذهب والكوبالت والنفط. وكان ذلك سيضمن وجودا روسيا على البحر الأحمر، الذي يربط بين ممرّات بحرية مهمة، تحقيق وضع يتيح لها التمدّد نحو شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي وأفريقيا في الوقت ذاته.لذلك لاغرو أن تجد مقاربة السودان وهو يعاني الحصار تجاوبا سريعا من روسيا. وباعتبار السودان دولة تعاني عزلة دولية وحصارا خانقا، وفي ظلّ العقوبات الأميركية عليه، لجأ البشير إلى روسيا لإيجاد منفذ من الحصار و لضمان نصير في مجلس الأمن . ووقعت تلكم الإتفاقية في إطار التعاون القائم منذ عقود بين موسكو والخرطوم في المجال العسكري، إذ إنَّ سلاح القوات البرية والجوية السودانية روسي الصنع. وكانت الخرطوم تطمع في تطوير التعاون إلى دعم عسكريّ تقني لتحديث عتاد القوات المسلحة ورفع التمثيل العسكري مع روسيا إلى مستوى مستشارين وبناء قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر تشكل رادعا للتعديات الإسرائيلية على حدود السودان. كما أن السودان حصل على طائرات روسية مقاتلة من طراز سوخوي (Su-35) من الجيل الرابع ومعدات عسكرية متطورة أخرى وابرم اتفاقات تدريب وتأهيل للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع. وبعد التغيير في أبريل ٢٠١٩ سارع المجلس العسكري للتأكيد على الإتفاقية بل وقع عليها بما له من سلطة جمعت له آنذاك بين التنفيذ والتشريع. لكن مياه كثيرة جرت تحت الجسر بعد قيام شراكة المتشاكسين ونهج الإسترضاء لأمريكا التي لن ترضي بوجود قوي لروسيا في البحر الأحمر في السودان وأرتيريا. ورغم أن العقوبات المانعة للتعاون العسكري بين السودان وأمريكا رفعت في عهد ترمب إلا أن أمريكا لم تكن متحمسة للتعاون عسكري واسع مع السودان حتي بدأت خطوات جدية وعملية لقيام القاعدة الروسية فتحركت أمريكا لابرام إتفاق عسكري يمنحها ميزات لوجستية مماثلة ثم بدأت تصريحات من الجناح المدني ثم العسكري بأن الإتفاقية مع روسيا لم تقع المصادقة عليها بعد ولن يحدث ذلك إلا بعد قيام المجلس التشريعي المشكوك في قيامه أصلا مما أغضب روسيا وجعلها تقرأ التصريحات بأنها إنصياع لطلب أمريكي بالتراجع عن الإتفاقية ،ورغم المعالجات اللفظية اللاحقة فقد أدركت روسيا أنها لا تستطيع التعويل على إرادة سيادية مستعصية على التأثير الأمريكي،لذلك لا يتعجبن أحد من الموقف الروسي المساند بقوة لأثيوبيا والتي اتضح أنها كانت منخرطة في إبرام إتفاق عسكري مع روسيا أعلنت عنها روسيا في وجود وزيرة خارجية السودان في ضيافتها وكأنها تخبرها أن لكل دولة أولوياتها وأصدقائها الذين تعول عليهم. والاستياء الروسي الذي عبرت عنه روسيا بأفعالها لا بأقوالها سببه الإسترضاء السوداني والمصري لأمريكا على حساب مصالح روسيا فمصر شاركت أمريكا في مناورات في البحر الأسود إعتبرتها روسيا استفزازا لها، والسودان تراجع لأكثر من خطوة عن ما ابرمته الحكومة التي جاءت بعد البشير ، ولذلك أقتربت روسيا أكثر من أثيوبيا وأرتيريا بإعتبارهما أقوى ممانعة للضغوط الأمريكية التي تستهدف تقليص الوجود و النفوذ الروسي بالمنطقة وأفريقيا بوجه عام. وهكذا بدأ تبلور محورين في هذا الجوار، محور يجد مساندة قوية صلدة من الصين وروسيا ومحور آخر يحاول ألا يغضب أمريكا ولو أغضب الناس أجمعين

اترك رد