حزب العدالة يوضح رؤيته حول مصالحة وطنية شاملة في السودان

0

الخرطوم/ الرائد نت

رؤية حزب العدالة نحو مصالحة وطنية شاملة

( الوطن يجمعنا والأرض تسعنا ).

ديباجة :

يتقدم حزب العدالة بهذه الرؤية وهو يدرك أن الشعب السوداني أكثر وعياً و إدراكاً لواقع البلاد والتحديات والمخاطر التي تحدق بها، ولأجل تجنيب البلاد مثل هذه المنزلقات الحرجة كنا نحذر عن خطورة السياسات التي إنتهجتها المنظومة الحاكمة في الفترة الانتقالية منذ البداية، بل وفي محاولة أستباقية قدمنا الرؤى والأفكار والاراء تلو الأخرى وأعلنا ودعونا عن ضرورة الحوار والمصالحة الوطنية الشاملة والتوافق على برنامج وطني لإنجاح الفترة الانتقالية يقود إلى مشروع وطني شامل متفق عليه في نهاية المطاف، ولكن قوى الحرية والتغيير التي تسيدت المشهد السياسي بعد الثورة المجيدة وإختطفت السلطة ظلت ترفض الدعوات والنداءات لإجراء الحوار والمصالحة الوطنية الشاملة، وباصرارها في رفض تلك الدعوات والنداءات أدخلت البلاد اليوم في نفق مظلم بل جعلت الوطن أمام محك صعب ومفترق طرق ربما تقود إلى التفكيك والتشرذم وها هي النذر تلوح في الأفق… وبرغم من مناشدات كل القوى السياسية والطرق الصوفية والاهلية والمدنية الحادبة على مصلحة الوطن، أمنه وإستقراره ظلت الحكومة تغط في سُبات عميق ولم تعير أي اهتمام لتلك المناشدات بل تجاهلت كل النداءات والأصوات المرتفعة والمطالب الموضوعية التي تقدمت بها تلك الجهات المطالبة بالحوار المفتوح والجاد وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة،إلى أن تفجرت الأوضاع من كل حدب و صوب.
و نؤكد أننا قد ظللنا في حزب العدالة ننوه و ننبه بخطورة سياسات المنظومة الحاكمة،بناءاً على متابعة ومراقبة الأوضاع على طول البلاد وعرضها، وقدمنا في ذلك الرؤى والأفكار والمقترحات التي كان يمكن أن تسهم في حل المشكلات والأزمات الماثلة ولكنها إصطدمت بحائط الرفض والامتناع دون أي جدوى وهذا هو اللامعقول بعينه!!
واليوم يمر السودان بعد عقود من الإستقلال بأكثر مرحلة حرجة من مراحل تطوره السياسي وهو يعيش واقع الانقسامات الاجتماعية والسياسية بل يواجه خطر المزيد من الانفصالات والتجزئة. ويحدث ذلك في مفارقة واضحة للإتجاه السائد في عالم اليوم، حيث تنزع الدول نحو التكتلات الكبيرة بالاندماج والتكامل استجابة لتحديات العولمة التي نقلت التعاون والتعارف بين الأمم والشعوب نقلات بعيدة.
إن الواقع المرير الذي تعيشه بلادنا لم يأت من فراغ وإنما هو نتاج طبيعي للسياسات غير الرشيدة التي ظلت تنتهجها الأنظمة المتعاقبة منذ الإستقلال إلى اليوم، والتي فشلت في تحقيق العدالة والمساواة بين أجزاء الوطن و شرائحه الاجتماعية والسياسية المختلفة في مجال التعبير عن الهوية الوطنية والسلطة والثروة.
لقد دفعت السياسات الخاطئة و ما أفضت إليه من مفارقات واختلالات في الخطاب السياسي و موازين العدالة على كل الأَصعِدة والمجالات، بعض ضحاياها من القوى الاجتماعية والسياسية التي تشكل السواد الأعظم من الشعب السوداني الأبي، للتفكير السلبي في إتجاه الانقسام والتشرذم، وهذا ما يهدد كيان الوطن الغالي بالتحلل إلى مكوناته الأولية بدلاً من الانصهار والتوحد.
واعتبارا بنذر الواقع الذي نعيشه اليوم، وإيماناً راسخاً بالوحدة كغاية قومية عليا يسندها منطق العصر و مسير تطور البشرية، نقدم هذه الرؤية دعوة صدق للمؤمنين بالعدالة كأساس للوحدة من أبناء الوطن على وجه العموم وكمساهمة منا لدفع عملية المصالحة الوطنية الشاملة، وإذ نتقدم كحزب إلى الساحة السياسية بهذه الرؤية فذلك تعبير عن قناعة الحزب بأن الحوار هو المدخل الصحيح والرئيسي نحو المصالحة الوطنية الشاملة التي تمس الحاجة إليها في بلادنا لتحقيق أمال بنيها في الحرية، السلام والعدالة والتنمية عبر التوافق والإجماع الوطني وصولاً إلى الوحدة كخيار حتمي للشعب السوداني.
فالوحدة ليست حصراً للبشر داخل سياج الحدود السياسية وتحت السيادة الواحدة، وإنما هي في جوهرها شعور وجداني بالانتماء الواحد والمصير المشترك. وهذا مرام لن نبلغه في مثل واقع السودان المتنوع والمركب التكوين إلا بإعمال ميزان عدل حساس. والسلام في حقيقته ليس حالة عدم الاقتتال وإنما فوق ذلك توفر الرضا العام داخل الكيان الواحد حيث تشعر كل العناصر المكونة له بسلامة مجمل الترتيبات التي تقوم عليها الحياة العامة، سياسة، و اقتصاداً وثقافة.
التغيير والتحولات الكبرى :
معلوم أن التغيير سنة ماضية و أي تغيير وتحول يمر بفترة انتقالية وحكومة انتقالية كمفهوم دستوري، هذه الحكومة الانتقالية المؤقتة تشكل عند وجود فراغ سياسي سببه سقوط الإدارة أو النظام الحاكم في أي دولة، من أجل القيام بمهمة محددة في فترة متفق عليها،هي المهام الحقيقية لحكومة الفترة الانتقالية والتي تتمثل في حفظ الأمن و الإستقرار وتحسين معاش الناس و الاقتصاد ونشر الحريات وتسليم السلطة عبر الانتخابات
و ليست الاستمرار والتمديد في فترة الحكم كما يحدث في السودان اليوم، فالوضع الآن ليس انتقالي كما يسمى أو يزعم إنما هو إستبدل وضع سياسي بوضع سياسي أسوأ مستجد ومفروض بالأمر الواقع،
فالفترة الانتقالية حدثت فيها انحرافات كبيرة والآن واقع السودان قد يصدق فيه الكثير من الاحتمالات والمآلات الصعبة والمخيفة في ظل الغموض الذي يكتنف مصير الفترة الانتقالية وبالتالي يهدد مصير وحدة السودان الذي ظل يمر منذ الإستقلال بمراحل تطور سياسي معقد رغم تنامي الوعي والتلاقح الثقافي والاجتماعي، وربما سيواجه خطر الانقسام والتجزئة والتشرذم وهذا لا يتفق مع منطق العصر الحديث كما أشرنا إليه أنفاً. فإذا كانت الوحدة هي غايتنا السامية عبر الحرية المفضية إلى السلام الإيجابي المحقق للعدالة وصولاً للوفاق الوطني، فإن واقع السودان اليوم يتطلب مصالحة وطنية شاملة و عدالة انتقالية و توافق سياسي بين القوى السياسية كافة ومكونات المجتمع في كل شعب الحياة، قسطاً في السلطة والثروة وتعبيراً متوازناً عن مكونات هوية الأمة والخطاب السياسي والثقافي للدولة والمجتمع فعلاً لا مجرد شعارات و وعود لا تلامس الواقع، وفوق هذا وذاك يجب أن يسود التسامح والتعافي والتعايش السلمي تمهيداً للمؤتمر الدستوري حتى تتمكن الدولة في وضع المشروع الوطني الجامع لاستشراف المستقبل المشرق لتحقيق تطلعات الشعب السوداني بإنزال شعار (حرية-سلام وعدالة والوحدة خيار الشعب).
ولأن الأمر ما عاد فيه السكوت ممكناً والصمت مجديا، يرى الحزب ضرورة إتخاذ القرار بشجاعة ومسؤولية بعد الاعترافات المتتالية بالفشل لنحو ثلاث سنوات من عمر الفترة الانتقالية، تغليباً للمصلحة الوطنية على ما سواها لتسهل معالجة الأمور بالسرعة المطلوبة قبل حدوث الكوارث و الأزمات المحتملة.
المعالجات تتطلب الآتي:
1 /التأكيد على أن السودان دولة موحدة وآمنة بالتوافق والتعايش السلمي، ومن الضرورة التمسك بوحدة البلاد شعباً و أرضاً ولا يتم ذلك إلا عن طريق التصالح والتصافي والتسامح.
2 / لابد من صون كرامة المواطن والوطن وذلك ببناء المجتمع القويم الذي يبدأ بتربية النشء والجيل الجديد كأساس للدولة القوية.
3 /تعظيم حرمة الدم وقتل النفس البشرية التي حرمها الله تعالى .
4/ فرض حكم القانون وبسط هيبة الدولة بتوسيع وتعميق دائرة حب الوطن على ما عداها من الانتماءات والولاءات.
5/ رفض المعادلة الصفرية التي تعني الهيمنة والإقصاء والإستبعاد للأطراف الأخرى من معادلة الحل للمشكلات والأزمات الوطنية باعتباره نهج غير سليم وبشكل صريح و واضح قطعاً إذا إستمر هذا النهج سيهدد أمن و إستقرار الوطن.
6/ يرى حزب العدالة ضرورة التقاء القوى السياسية كافة في مشاركة تحمل المسؤولية الوطنية من أجل الإتفاق على كيفية الدفع بعملية السلام حتى يسهم ذلك في الإسراع بمشروع المصالحة الوطنية الشاملة و العدالة الانتقالية بتوافق القوى السياسية، ومكونات و قطاعات المجتمع وقادة الرأي العام على تحقيق الإستقرار السياسي وبذلك يتم توفير المناخ والبيئة المناسبة و روح التعاون لإنجاح الفترة الانتقالية التي تفضي لإنتخابات حرة ونزيهة وحكم راشد.

ولكي تتحقق هذه الرؤية لابد من الاعتماد على المبادئ والمرتكزات التي تعين في اختيار وتكوين الآلية التي ستقوم بالإعداد والإشراف على المصالحة الوطنية الشاملة تمهيداً للعدالة الانتقالية.
ومن هذه المبادئ والمرتكزات :
تهيئه المناخ السياسي :
1 /على القوى والتنظيمات السياسية كافة دفع إستحقاقات و مطلوبات تهيئه المناخ السياسي.
أ) الاحترام والتقدير المتبادل بين القوى والتنظيمات السياسية كافة.
ب) فتح باب المشاورات بين المكونات السياسية والاجتماعية كافة.
ج) التعاون والمشاركة في تحمل المسؤوليات الوطنية والتاريخية.
د) لابد من وضع ميثاق شرف ملزم وفق المبادئ الوطنية الثابتة لضبط الممارسة السياسية الراشدة.
ضرورة الإتفاق على كيفية اختيار الآليات – المهام والصلاحيات التي ستوكل إليها.
الإتفاق على وضع المعايير الأساسية لاختيار أعضاء الآلية .
لابد من الإتفاق على المرجعيات السياسية والدستورية والقانونية في إتخاذ القرارات بالإجماع أو التوافق بأي كيفية تناسب الظروف والتداعيات وافرازاتها التي قد تنجم من تطورات الأوضاع في وقت لاحق، وفي هذا الشأن الدستوري والقانوني يمكن الاستناد على (دستور ٢٠٠٥م )مع إدخال بعض التعديلات المهمة عليه.
وإن لم نقاتل نحن جميعا من أجل ما نتمناه لأنفسنا و وطننا الآن ، سنقاتل يوم ما مضطرين أضعاف ذلك من أجل التأقلم مع وضع قد لا نبتغيه حينئذ،لذلك يدعو حزب العدالة كل الأطراف للتحلى بالصبر و روح المسؤولية وبالضرورة ابتلاع كل الآلام الموجعة بصمت ونكران ذات لنكون رُحمآءُ فيما بيننا وأقوياء بوحدتنا و أَشِدآءُ على الأعداء، ولا تراجع عن طريق الحوار والمصالحة الوطنية الشاملة وصولاً إلى التوافق الوطني الذي حتماً سيقود إلى التسامح والتعايش السلمي.
ولا يغني الظن من الحق شيئاً وليس الظن كاليقين وكذلك الزيارات واللقاءات للتباحث مع الخارج لن تغني عن ضرورة ترتيب البيت من الداخل شيئاً فهو الأساس المهم لأن الحل يكمن في الداخل وليس بالخارج، ويجب أن يكون الحل سوداني سوداني في الأساس والمقام الأول ثم يأتي بعد ذلك الدور الخارجي،لأن الخارج ماهو إلا مكمل وداعم وليس أساس في طرح الرؤى والأفكار والمبادرات والحلول الممكنة لقضايا الوطن والمشكلات والأزمات الماثلة في البلاد.
ونهضة أي أمة تقوم على سواعد أبناءها وبناتها ولا أحد سواهم يستطيع أن يؤدي هذا الواجب بالإنابة عنهم.
و نؤكد بمنتهى الثقة بأن لا ولن تفلح المقترحات والحلول الخارجية في معالجة أزمات البلاد مهما تكاثرت زيارات الوفود المتبادلة واللقاءات للتباحث. وعلى الدولة أن تعمل ما في وسعها لتوحيد الصف وتقوية الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية لأنهما من ركائز الاستقرار السياسي والأمني.
وفي هذا الإطار هنالك إمكانية لجعل دعوة ممثل الأمم المتحدة (فولكر) لجمع الفرقاء من القوى والتنظيمات السياسية كافة ومنظمات المجتمع المدني للجلوس في طاولة واحدة من أجل التفاكر والتشاور حول كيفية معالجة الأمور وتحديد النظم والمرجعيات التي تحكم العمل وأجل نهاية عمل واختيار الآليات والنتائج المتوقعة.
و نرحب بالمساعدات والدعم من الأشقاء والاصدقاء من دول الجوار والعالم أجمع والمنظمات الدولية كافة (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، جامعة الدول العربية، الاتحاد الأوروبي…).
ويؤكد حزب العدالة أنه يرفض رفض قاطع لأي شكل من أشكال التدخلات الأجنبية والخارجية السالبة التي تضر بإستقرار المجتمعات والدول.

الخاتمة:
حزب العدالة حزب يتميز بالاستقامة السياسية والوسطية والاعتدال كمنهج في إتخاذ القرارات والمواقف وكذلك تناول وطرح الحلول للقضايا الوطنية. وستظل مواقفنا هكذا حول القضايا الوطنية والغايات السامية التي تمليها علينا اعتبارات المصلحة العامة كما تهدينا إليها قناعاتنا الفكرية وتقديراتنا الظرفية مع الالتزام الكامل بضوابط و أعراف العمل السياسي المبني على قيم العدالة والصدق والإخلاص لا الغش والخداع والمكر والكيد السياسي.
يساهم حزب العدالة بهذه الرؤية كجهد فكري وسياسي محدود في إطار المسؤولية الوطنية والشأن العام بالدولة بحثاً عن الحلول الممكنة لقضايا الوطن التي ظلت تراوح مكانها رغم مرور خمسة وستون عام على الإستقلال برغم من تعاقب الأنظمة والأحزاب والحكومات عبر هذه الحقب والسنين.
فهذا الجهد يحتمل الحذف والإضافة والتعديلات وصولاً إلى التراضي بين أبناء وبنات الوطن والذي سيفضي حتماً إلى التوافق والإجماع على ما ينفع البلاد والعباد.
فالأمر برمته مطروح للمنظومة الحاكمة والقوى والتنظيمات السياسية كافة، بالإضافة الى مكونات المجتمع المدني وقادة الرأي العام،لتجنيب البلاد التفكيك والتشرذم.
و ندعو كل العقلاء والحكماء من أبناء وبنات الوطن والقيادات الوطنية الحادبة على مصالح الشعب والوطن بأن تسرع الخطى وتسعى بقدر الإمكان لتحقيق التوافق وصولاً للوفاق الكامل بالإجماع عبر الحوار والمصالحة درءاً للفتنة وزرع الكراهية بين مكونات المجتمع وإيقاف انهيار الدولة،وبذلك يمكن أن يتم تفويت الفرصة لأولئك الذين يحاولون زعزعة الأمن والاستقرار في ربوع الوطن الحبيب.
وليعلم الجميع بأن أهل السودان أولى بقضاياهم وتعقيداتها وهم الأعلم والأدرى بتشعباتها.

(حرية-سلام وعدالة والوحدة خيار الشعب)

وما التوفيق إلا بالله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.