حسين خوجلي يكتب: الثقافة في زمان كوفيد ١٩
الخرطوم/ الرائد نت
اعتاد عميد كلية الآداب بالجامعة دعوة معهد الخريجين من أصحاب الامتياز والموهبة ليقدم محاضرة لطلاب الكلية في بحث تخرجه، وليربط الخريجين بالجامعة وبزملائه القادمين.
وقع الاختيار هذه المرة على أحد الخريجين الأذكياء كان أول دفعته وصاحب بحث شهير يعتني بالمقارنة ما بين شعر العامية السوداني والشعر العربي الفصيح، وكان فوق ذلك شاعراً مطبوعاً.
وبالرغم من أنه كان يعاني إرهاصات التهابات الكورونا إلا أنه لبى الدعوة مضطراً خاصة وأن الموعد قد ضُرب وانتشر الاعلان.
كانت القاعة حاشدة بالطلاب والطالبات وبعض منسوبي الكليات الأخرى من المعجبين بأشعاره التي كانت تملأ ردهات وحدائق الجامعة. وما أن بدأ في التقديم حتى أصابته نوبة صاخبة من العطاس إحمرت عيناه واكتسى برعدة وحمى، وسالت مناخيره حتى بللت المنضدة وأصبح في موقف لا يُحسد عليه. هرع إليه الطلاب بحزمة من المناديل فجفف وجهه وأنفه حتى هدأ تماماً وسط إشفاق القاعة، حينها تمالك نفسه وأكمل في جلد متن المحاضرة، مترفعاً فوق ألآمه.
وعندما انتهت المحاضرة المقلقة منح عميد الكلية الطلاب فرصة للأسئلة، فكان آخر سؤال من طالبة مشهودٌ لها بوسامة المداخلات وملاحة الطلعة سألته عن اتساع الأمل وضيقه في حياته كشاعر شاب في هذا الراهن العربي الحزين؟
صمت لبرهة ثم أجاب: تتسع الدنيا في نظر الشاعر بسعة الموهبة وطلاقة الشباب، حتى ليكاد أن يحلم بحكم العالم، ثم يضيق الأمل بحكم الواقع الشخصي البائس والعام فيتقزم، حتى يصير الحلم منديلاً من الورق كما حدث قبل قليل.
ضجت القاعة بالضحك وحمل هدايا المناديل في كيس كبير وخرج إلى شوارع الخرطوم وهي تُدير حرب الاستنزاف وقد سّدت رائحة النشادر والبومبان الأفق.