الطاهر ساتي يكتب : المُشرعون الثلاثة..!!
الخرطوم/ الرائد نت
:: (الشَملَة)، قطعة تُصنع من الصوف، وذات استخدامات متعددة، ومنها أن النساء تستخدمها عند الدخان ليعرقن.. ويُقال إن امرأة من البطانة، كان اسمها (كنيزة)، أسلفت شملتها لجارتها التي ماطلت في إعادتها بعد أن تدخنت بها، ولما ألحت كنيزة على جارتها ثم أصرت على استرجاع (الشملة)، قالت الجارة باستهتار: (هي ثلاثية وقدها ورباعي، عايزة بيها شنو؟)، فصار القول مثلاً يضرب على الأشياء (المُبهدلة)، كالوثيقة الدستورية..!!
:: ولو كانت هذه الوثيقة الدستورية امرأة لانتحرت من وطأة ما تتعرض له بين أيدي من نلقبهم بالمسؤولين.. وعلى سبيل المثال، قال خبر الأمس إن اجتماعاً ثلاثياً ضم رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو، ورئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، ناقشوا بعض القضايا الخلافية، وكذلك تعديل بعض نصوص (شملة كنيزة)، وهي المسماة سياسياً وإعلامياً بالوثيقة الدستورية..!!
:: منذ صياغتها، وحتى هذا يوم هذا الاجتماع الثلاثي، لم يفارق حال الوثيقة الدستورية حال أصنام العجوة التي كان يُعبدها كُفار قريش، ثم يأكلونها عند الجوع.. ولعلكم تذكرون، ما كشفه إبراهيم الأمين، نائب رئيس حزب الأمة القومي، وهو ما أسماه بتلاعب حدث في ذات الوثيقة، من قبل ثلاثة مسؤولين، لم يفصح عن أسمائهم، مُكتفياً بأنهم يتبعون للمكونين (العسكري والمدني)، وموضحاً أن تلاعب الثلاثة تم دون علم وفد التفاوض والوسطاء، ولم يفصح الأمين عن البنود التي هم فيها تلاعبوا…!!
:: وقبل هذا التلاعب، لعلكم تذكرون ما حدث للوثيقة الدستورية بقاعة الصداقة في خضم الفرح.. فالوثيقة كانت هناك تنص على الآتي: (لا يجوز تعديل أو إلغاء هذه الوثيقة إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي).. وفي سلطات المجلس السيادي – في البند 11 – تؤكد الوثيقة بالنص: (اعتماد تعيين رئيس القضاء وقضاة المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من قِبل مجلس القضاء العالي).. هنا كانت الوثيقة آلهتم، فعبدوها..!!
:: ولكن بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية ثم التلويح بها للشعب، وقبل أن يغادر السادة الوسطاء والشهود الخرطوم، سارعوا إلى إضافة النص: (ولحين تشكيل مجلس القضاء العالي يعين مجلس السيادة رئيس القضاء).. أضافوا النص رغم يقينهم بخطأ فعلهم، إذ لا يجوز تعديل الوثيقة – ولو بإضافة شولة – إلا بثلثي الأعضاء، وعلى هذا أقسموا على المصاحف.. ولكنهم خانوا القسم، وأكلوا الوثيقة، لأنها كانت هنا مجرد (عجوة بالسمن)..!!
:: ثم أن الوثيقة الدستورية كانت تنص على تشكيل مجلس الوزراء من رئيس، وما لا يتجاوز عشرين وزيراً، من (الكفاءات الوطنية المستقلة)، يتم تعيينهم من قائمة قوى الحرية، ما عدا الدفاع والداخلية، يرشحهما المكون العسكري، وهنا كانت الوثيقة كالآلهة، فعبدوها.. ثم ذهبوا الى جوبا، ودون الرجوع الى المجلس التشريعي، حذفوا كلمة (المستقلة) من الوثيقة، ليشكلوا حكومة المحاصصات الحزبية، لأن الوثيقة تحولت إلى مجرد (عجوة بالسمن)..!!
:: هكذا كان – ولا يزال – حال الوثيقة الدستورية.. مثل (صنم العجوة)، يعبدونه ويأكلونه، حسب الحاجة.. ومنعاً لهذا العبث، كنت قد ناشدت البرهان وحميدتي وحمدوك – في ذات زاوية – بأن يسارعوا إلى تأسيس المجلس التشريعي من كل القوى السياسية، ليضع (دستور انتقالي) غير قابل للتمزيق والترقيع، هكذا ناشدته.. ولكن يبدو أن الرجال الثلاثة يسعون إلى أن يصبحوا المجالس الثلاثة، بحيث يكونوا (هم الدولة) و(الدولة هم)..!!