عثمان ميرغني يكتب: (ماشي وين سايب البلد؟)

متابعات/ الرائد نت

خلال الشهرين الماضيين سافرت خارج السودان أربع مرات في كل مرة أعبر مطار الخرطوم يسألني أحد العاملين فيه أو المسافرين (انت ماشي وين سايب البلد؟) و رغم ما بالسؤال من مزحة إلا أنه يكشف الإحساس العام لدى الجميع أن الحالة بالسودان هي في (وضع الطيران) .. الخروج من البلاد خشية يوم يغرقها الطوفان.. طوفان الفوضى..
ولو سألت كل المتنافسين والمتعاركين على حكم البلاد، لماذا يخاف شعبكم الضياع؟ ما هي الأزمة- الوجودية- التي تهدد الوطن بالفناء؟ لما وجدت سوى الحسرة في تفاصيل معركة وهمية نفسية لا علاقة لها بالمصالح العليا للوطن والمواطن..
وحتى لا نحمل الساسة وحدهم كل أوزار الوضع الراهن (طبعاً كلمة الساسة تشمل كل من يدخل الملعب السياسي إن كان يلبس البدلة أو الجلابية أو البدلة العسكرية) فإن الشعب يتحمل أيضاً وزر الحال المائل.
كيف؟ سأقول لكم..
عندما هبطت الطائرة بنا أمس في مطار دبي و بدت الحضارة في أبهى صورها ليس المباني وحدها بل معاني النظام وأناقة الإدارة التي تبدو حتى في تفاصيل إكمال الإجراءات بسلالة ومعها ابتسامة، سألني أحد الشباب السودانيين من القادمين معي في الرحلة، هل يعجزنا أن نشيد مطاراً مثل هذا؟
الإجابة على السؤال ستكون غبية جداً لو افترضت أن مطار دبي هو مجرد مباني أنجزها مهندسون، لا.. النهضة ليست مجرد منشآت بل فكرة تصنع الوطن كله وليس مجرد مطار أو طريق أو كبري أو مدرسة او مستشفى..
لننظر إلى دبي كمثال.. هل يحتاج المستثمر وطنياً كان أو أجنبياً أن يبحث عن وزير الاستثمار أو الصناعة أو التجارة؟ ليصدق له المشروع أو يدعمه؟.. بل هل يحتاج أصلاً تكبد المشاق بين دواوين الحكومة وهو محمل بالوساطات والتوصيات لينجز أعمالاً هي من صميم العمل العادي الروتيني؟
هل يحتاج الشعب – في دبي – أن يعرف اسم وزير الكهرباء ليعرف مصير التيار الكهربائي أو وزير التعليم ليتعرف على مستوى الجامعات أو وزير الصحة ليعرف مستوى المستشفيات..
بل من الأصل والمبتدأ.. هل يحتاج الشعب كله أن يصبح ساسة، يتعاطون السياسة ليل نهار في العمل والمناسبات الاجتماعية و حلقات الجالسين أمام “ستات الشاي” بل حتى في المساجد؟
هنا مفتاح النهضة.. الإدارة أولاً وثانياً وعاشراً.. أما السياسة فهي مجرد غرفة صغيرة في أقصى ركن أشبه بغرفة المدخنين في المطارات التي تبدو وكأنها موقع عزل وحجر صحي ..
للأسف نجومية السياسة في السودان تتحقق للأطول لساناً والأكثر ضجيجاً بلا وزن لما يقوله أو يعمله ..إذا أبدع طبيب في تخصصه وأنجز مئات العمليات الجراحية النادرة ، أو مهندس يصمم المشروعات وينجزها كأروع ما يكون.. كل هذا لا يسوى شيئاً أمام نجومية سياسي كل رصيده إنه ظهر في الشاشة وشتم زميله السياسي الآخر بعبارات أطربت الشعب المتلهف للمعارك السياسية.. خاصة الكلامية.. أشهر عبارة في تاريخ البرلمان السوداني أطربت الجمهور هي شتيمة سياسية كبيرة لزميليه في البرلمان عندما قال لهما ( أنتما كفردتي حذاء).. و لا يزال اسم السياسي هذا علماً بين الأمم السودانية بشتيمته هذه..
النهضة فكرة… والفكرة قبل المال لهذا أطلقوا عليه (رأس المال) فالرأس أولاً ثم المال..

التعليقات مغلقة.