عثمان ميرغني يكتب: (انت شايت وين؟)
متابعات/الرائد نت
عبارة “انت شايت وين؟” منتشرة في حوارات وسجالات وسائط التواصل الاجتماعي، وهي عبارة صادقة جدا تكشف مستوى التحاور والمتحاورين..
لولا ألوان “فانلة” لاعب كرة القدم ربما لما استطاع الجمهور أن يعرف لمن يُصَفّق و لمن يُصفِّر.. فالتمييز يعتمد على ألوان ” الفانلة” للدرجة التي يُجبر فيها قانون كرة القدم بعض الفرق ارتداء “فانلة” مختلفة عن شعارهم الأساسي عند مقابلة فرق آخرى ترتدي ألوانا قريبة الشبه..
منصات الحوار تعتمد على مبدأين، اما حوار مبني على القضية والموضوع Objective وهنا لن يحتاج أحد لرؤية لون “الفانلة”.. ولا في أي مرمى “يشوت” المتحاور..لأنه ينظر فقط في الموضوع.. وحوار آخر مبني على “انت شايت وين؟” وهو الذي يُطلق عليه المثل الشعبي السوداني (كانت طارت غنماية!).. وقصة المثل معروفة أن رجلين اختلفا في حيوان غريب بعيد عنهما هل هو طائر أم “غنماية”، وكل منهما يُصر على رأيه وعندما اقتربا من الحيوان طار في الفضاء فقال الذي كان يصر على أنه “غنماية” قولته التي صارت مثلا (كانت طارت غنماية).. أي أن الطيران لا يفسد كونها “غنماية” رغم أنف الحقيقة والطبيعة..
أسوأ حوار هو ما ينبني على مبدأ “انت شايت وين؟” لأن أيا من الطرفين لن يُغير رأيه ، فهو حوار دائري عديم الجدوى، فالرأي مرتبط بـ”الفانلة”، فالذي يشجع الهلال لن يغير رأيه لمشجع المريخ مهما أفاض عليه من الحجج والبراهين أن فريقه أفضل، فالحوار هنا لا يستبصر الموضوع والقضية بل الانتماء لــ”الفانلة”.
قضايا السياسة ليس فيها حق مطلق ولا باطل مطلق، فهي مسائل تقديرية قابلة للنظر بعدة زوايا، وتحتمل أن يكون فيها وجه غائب لحظة الحوار. تحتاج إلى بصيرة مفتوحة قادرة على استدراك الوجه الآخر ان بانت ملامحه.. لكن الاصرار على أن الحق مرتبط بلون “فانلة” لن يغير الباطل ويجعله حقا..
في تجربتي الخاصة مع منصات التواصل الاجتماعي؛ أميز بين من يتحاور بحثا عن الحقيقة ومن يتحاور طمسا لها.. فالأول قابل وقادر أن ينظر بأعين مفتوحة لكل ما يُعرض أمامه، والثاني معصوب العينين يستخدم مقياس “الفاروميتر”.. ولمن فاتهم الاستماع لقصة “الفاروميتر” فهي تحكي عن رجل وُلد أعمى، و شب عن الطَوق وصار رجلا وهو أعمى لم ير من الدنيا شيئا.. لكن بمعجزة نادرة في يوم من الأيام فَتحت عيناه وأبصر أمامه، و كان هناك فأر في الغرفة فلم ير الرجل غير الفأر ثم ارتد أعمى مرة أخرى.. لم يعد في ذاكرة الرجل البصرية سوى صورة الفأر.. فأصبح يستخدمها للتعبير عن الأشياء، فإذا قيل له هذه الشجرة طويلة يسأل ( يعني قدر كم فأر؟) واذا قيل له هذا الستار لونه أخضر يسأل (يعني افتح من الفأر؟) .. كل مقايسه في الحياة تعتمد “الفأر” وحدة قياس حصرية، فاطلقنا عليها “الفاروميتر”.
احذر الجدال مع مستخدمي “الفاروميتر”..
التعليقات مغلقة.