حديث المدينة | عثمان ميرغني يكتب: مصادرة كرامة الشعب..

0

متابعات/ الرائد نت

سيدة متوسطة العمر تجلس على الأرض قريباً من مدخل الـ”سيوبرماركت” نادتني بإسمي وأنا أهم بالدخول، بعد خروجي وأنا في طريقي للسيارة صاحت بصوت عال (يا أستاذ أنا متابعة ما تكتبه..) في الحال تغير الموقف، الأمر لم يعد حسنة نلقيها بيد المُعّسر ونحن لا نكاد نحس بأبعاد القصة التي تختبيء خلف حياته وألقت به إلى قارعة الطريق ينتظر الناس أعطوه أو منعوه..
عُدتُ إليها، و سألتها و أنا أتحذر الكلمات الجارحة، (طيب ما القَدر الذي أتى بك هنا؟) دون أن أحدد معنى (هنا) فهي أقرب إلى ظرف “الحال” من المكان”.. عادي أن يكون أي إنسان “هنا” أمام السيوبرمركت ،لكن ليس “هنا” جالساً على الأرض ماداً يده و قبلها عينيه..
قالت ( أنا أعمل في مصنع – ذكرت اسمه – ومرتبي عشرة ملايين جنيه، زوجي متوف ولي أربعة أولاد في المدارس.. قول لي أعمل شنو)..
أحسست أنها تقدم أقوى مرافعة يجب أن يكون حُكم القاضي بعدها ضد كل من حكم السودان أو عارض منذ الاستقلال وحتى هذه اللحظة.. حتى الذين هم في القبور.. فالتاريخ سِجِل يبقى مع الزمن ..
والله العظيم لا أعرف كيف ينوم الحكام اليوم، بل لا أعرف على ماذا يتنافسون في الحُكم.. فهذه السيدة ليست مجرد إمرأة تكابد سوء حظها.. بل هي عنوان كتاب كبير يحوي قصة شعب ثري يملك كل شيء ولا يمتلك شيئاً.
والله العظيم لا أعرف كيف ينوم البرهان ولا دقلو ولا بقية الذين يمسكون بدفة الحكم الآن.. بل ولا أعلم كيف فرّط حمدوك في أمانة سلمها له الشعب بكل اقتدار سائغة في يده.. فخرج من الحكم بعد أن مهد و سلمه لمن هم الآن في القصر الجمهوري.
بل ولا أعلم كيف سمح الساسة في الحرية والتغيير أن يسلموا ثورة شعب نبيل حصل عليها بالدماء والأشلاء إلى رئيس وزراء عاجز عن حماية الثورة فضلاً أن يحقق حلم الشعب السوداني ببناء وطن يستحقه.
فلسفة الحكم – للأسف- في بلادي تقوم على السيادة، سيادة الحاكم فوق شعبه، بكل ماتعني هذه الكلمة من معنى، فيتحول الشعب إلى خادم مهان عليه أن يرضى بالعيش الذليل وأن يقتنع بأنه فقير إبن ستين فقير إلى يوم القيامة السياسي في بلادنا عندما يكون في المعارضة؛هو نصير الفقراء والمظلومين وحامل أمانيهم في الحياة الكريمة إلى آخر لحظة قبل أن يصبح حاكماً، وفي اللحظة التي يخلع فيها جبة المعارضة الممزقة بالنضال ويلبس ثوب الحاكم المرصع بالجلال يتم تحميل “سوفت وير” جديد ويصبح خلقاً جديداً لا يرى الشعب إلا بالعدسة المكبرة، عدسة المظاهرات والاعتصامات والإضرابات وإغلاق الشوارع.
حال هذه المرأة التي تفترش الأرض في انتظار الصدقة هو حال السودان الذي بكل ما يملك يفترش أيضاً أرضه الممدة بلا نهاية ماداً يديه للعالمين يفرح بسفينة قمح و يحني ظهره طلباً للمعونات والإغاثات والهبات الدولية. ومع ذلك، لا بكاء على اللبن المسكوب، كيف المخرج؟ كيف الحل؟ هذا مايجب أن نعمل إليه وفيه كلنا.

اترك رد