عثمان ميرغني يكتب: لمواليد ما بعد الثمانينيات فقط.

0

الخرطوم/ الرائد نت

إذا كنت من مواليد من قبل الثمانينات فأرجو عدم إكمال قراءة هذا العمود من باب (عدم الاختصاص).
تصوروا يا بناتي وأبنائي.. زمان في فترة السبعينيات حتى منتصف الثمانينات كان الهتاف السياسي الأكثر شعبية في المناسبات التي يحضرها رئيس الجمهورية المشير جعفر محمد نميري هتافات كورالية.. تهتف مجموعة بالجزء الأول في شكل سؤال وترد عليها المجموعة الأخرى في الحشود .. (أبوكم مين؟) وترد المجموعة الأخرى (نمييييييري) مع مط حرف الياء بأطول ما يكون لتأكيد الأبوة المستحقة..
طبعاً أعلم مدى اندهاشكم لهذا الهتاف.. فلو كان السؤال (انتو أولاد منو؟) لكان أخف وطأة ويستحق الإجابة بـ( أولاد نميييييري) .. لكن سؤال (أبوكم مين؟) فيه شبهة اتهام أنه موجه لمجهول الأبوين.. بل ربما فيه رائحة إنكار وجود الأبوة المعلومة.. بما يحيل الإجابة إلى ملفات “دار المايقوما” أقال الله عثرتها الصحية.
والحقيقة ، يا بناتي و أبنائي.. الذين كانوا يرددون هذا الهتاف ربما هم أكبر عمراً من نميري نفسه، ومع ذلك يتنازلون له عن مقام “الأبوة” وبفرح كبير..
لم أذكر هذه الموجعة العبثية للتسلية بأوجاعنا التاريخية، بل لأتخذها مدخلاً لإعادة النظر في كل الهتافات السياسية التي ظللنا نرددها منذ استقلال السودان إلى يومنا هذا.. راجعوا قائمة الهتافات السياسية الشهيرة في مختلف العهود بما فيها العهد الانتقالي الكائن الآن.. وستكتشفون أنها ستصبح أيضاً مضحكة لأجيال قادمة سيكتب لها أحدهم ينفس طريقتي هذه ليقول لهم أن آباءكم( ويقصدكم أنتم شباب اليوم) كانوا يرددون هذه الهتافات.
من لوازم التاريخ المعاصر في بلدنا السودان حالة تغييب العقول في بلاط الممارسة السياسية.. كثيراً مما هو معتاد بل وأحياناً ممجَّد هو في الحقيقة منتج عبثي معبأ في مغلفات ملونة.
السياسة في السودان – يا بناتي وأبنائي- تتطلب درجة من استغفال العقل والتعويل على الفعل الجمعي القطيعي.. على سياق الآية التي وصفت الحال السياسي في عهد فرعون ( فاستخف قومه فأطاعوه..) ورغم أن الأية هنا تشير إلى الفرعون في عهده المعلوم تاريخياً لكنها ترسم ملامح الحالة السياسية الموجبة للدكتاتورية في كل زمان ومكان.. (فاستخف قومه فأطاعوه) فلولا أن استخف قومه لما أطاعوه .. إشارة لحالة تغييب العقل ليقبل بالقهر والتسلط..
يا بناتي وأبنائي.. لإصلاح الحال، يجب إبراز العقل والرشد.. إياكم والانزلاق في الفعل الجمعي القطيعي.. أياكم من ترديد هتافات لا تحصل على شهادة تطعيم ضد فيروس “الاستخفاف” الموجب للدكتاتورية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.