حسين خوجلي يكتب: يا أسمراني ما ترجع تاني..
متابعات/ الرائد نت
بعد انقلاب مايو ٦٩ الأحمر ظهر للسطح تجمع الشيوعيين والديمقراطيين والاشتراكيين والبعثيين والقوميين العرب وقاموا بتصفية كل المؤسسات الديمقراطية والنقابات والاتحادات بالبلاد، صادروا الصحافة وقاموا بتأميمها وشردوا كل خصومهم في الخدمة العامة والجامعات وسحقوا خصومهم قتلاً في أبشع مجزرة شهدها السودان في أبا وودنوباوي، ووثقوها فكراً وشعراً ونشيداً. ومن المؤسسات التي عملوا لتصفيتها بلا حياء اتحاد طلاب جامعة الخرطوم “كوسو” تحت شعار (لن تظل الجامعة جزيرة رجعية في وسط ثوري متلاطم) وفرضوا على رأس الطلاب قسراً ما يسمى بسكرتارية الجباة التقدمية بديلاً للاتحاد، وشردوا زملائهم وخيرة علماء الجامعة وفي مقدمتهم البروفيسور عبدالله الطيب بذات التحالف الذي يملأ الآن الشارع زعيقاً وافتراءات ومزاعم وأكاذيب.
وعندما دارت الدائرة عليهم بعد أن قصم نميري ظهرهم في انقلاب ١٩ يوليو الدامي، عاد اتحاد جامعة الخرطوم شامخاً بقيادة الإسلاميين، ولم يجدوا الرفاق منذ ذلك الوقت إلى الآن ولمدة تتجاوز الأربعين عاماً إلا فرصة واحدة أو فرصتين، وعندما يئسوا من منازلة الإسلاميين بتنظيمات فرادى تحالفوا مرة جميعهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار متناسين كل خلافاتهم وكراهيتهم التاريخية ضد بعضهم البعض، فاضطروا أن ينزلوا في قائمة واحدة باسم التجمع مع إضافة الأحزاب التقليدية والمستقلين والمحايدين والجمهوريين والجنوبيين من دعاة الانفصال بشعار ( نعم نحن مختلفون، ولكننا نريد إجازة دستور التمثيل النسبي) وفعلا فازوا بانتخابات المجلس الأربعيني ٢٢ مقعداً لتحالف التجمع و١٨ مقعداً للإتجاه الإسلامي، ونصبوا سليمان الخليلة المستقل رئيسا للاتحاد الذي صار من بعد أحد كوادر الحركة الشعبية تحت قيادة جون قرنق، وبعد انفصال الجنوب صار موظف المنظمات الأجنبية المعدودين.
وبعد أن هدأت الهتافات والإيقاعات والأناشيد والصخب والعنتريات التي ما قتلت ذبابة، فشلوا فشلاً ذريعاً في إدارة الاتحاد، وانهارت الخدمات بالجامعة وبدار الاتحاد، وتصحر النشاط وتردى، وماتت المواسم الثقافية والمعارض والرحلات الخدمية والعلمية، وفقرت خدمات داخليات الطلاب والطالبات، وفشلوا في إجازة دستور التمثيل النسبي مثلما يفشلون اليوم على الساحة السياسية نظرياً وعملياً، وما أشبه اللية بالبارحة.
وسرعان ما ذهبت السكرة وعادت الفكرة للرأي العام الطلابي الذي استفاق أخيراً فخرجت مظاهرة عارمة من الطلاب والطالبات، وحاصروا غرفة رئيس الاتحاد الإسلامي السابق تتقدمهم الكنداكات وهن يهتفن هتافاً بلغ عنان السماء ( أمين بناني .. عليك الله ما ترجع تاني .. عليك الله)
اليوم الخرطوم لا جامعة الخرطوم يخيم عليها الظلام والجوع والخوف وشبح اللادولة وغياب الحكمة وامتداد قوة الأمل، لم يتبقى إلا الموكب العارم الذي يسد الآفاق جواً وبراً وبحراً، منطلقاً من ساحة كوبر الكبرى وهي تهتف هتاف الكنداكات القديم “وشفاتة” العاصمة المثلثة ( يا أسمراني عليك الله ما ترجع تاني .. عليك الله)