عثمان ميرغني يكتب: صيانة الدماء أولا
الخرطوم/ الرائد نت
مع كل تظاهرات جديدة تصدر بيانات روتينية من لجنة الأطباء المركزية تبدأ بعبارة مرعبة “ارتقت أرواح الشهداء” ولا يتغير في البيان سوى الرقم، عدد الشهداء والجرحى حتى وصل الآن إلى 60 شهيدا من أينع بنات وأبناء السودان قابل للزيادة مع الأيام.
و طالما لا تُلوح في الأفق حتى الآن تباشير اتفاق يقنع الشارع فيقرر التوقف ولو قليلا عن الاحتجاجات، فالأجدر الحفاظ على دماء الشعب السوداني و صيانة أجساد شبابه المتحمس للتغيير والراغب في دفع ثمنه مهما كان باهظا.
اقترح التدخل عاجلا لضمان حرية التعبير السلمي والاحتجاجات الجماهيرية في الشارع مع سلامة الجميع ، الشعب والشرطة، لا ضرر ولا ضرار.
في الماضي كان القضاة يتولون حماية التظاهرات بمرافقة الشرطة خلال مراقبتها اللصيقة ميدانيا للشارع، وكان القاضي هو من يملك الأمر باستخدام الرادع المناسب في الوقت المناسب.
لكن خلال سنوات النظام البائد أُطلقت يد القوات النظامية بالتحديد الشرطة والأمن ولم يعد ممكنا مراقبة “قواعد الاشتباك” في التعامل مع التظاهرات، فأنجب ذلك حوادثا ستظل محفورة في الذاكرة السياسية السودانية.
و حاليا حسب القانون يفترض أن النيابة مسؤولة عن حماية التظاهرات بمرافقة الشرطة لتتولى هي التحكم في التعامل مع المتظاهرين، لكن الواقع على الأرض أن الشباب في المسيرات والمواكب يتعرضون لكل أنواع الرصاص بعد وابل من القنابل المسيلة للدموع، وتكون النتيجة كارثية كما هو الحال في بيانات لجنة الأطباء المركزية.
أقترح أن يكلف قضاة سابقون من خارج الخدمة، فالقضاة العاملون مشغولون بمئات الآلاف من القضايا في المحاكم ولا يعقل تشتيت جهدهم القضائي كما لا يمكنهم التعامل مع المظاهرات في ظل وجود قانون يجعل ذلك من صميم أعمال النيابة العامة.
القضاة السابقون بما لهم من توقير كبير في الدولة حكومة وشعبا، ويمكن تمييزهم بزيهم الرسمي المهيب يمكن أن يتسلموا قبل كل مسيرة خط سيرها المعلن ويتولوا السير أمامها في المسارات الحرجة التي عادة تحتك بالشرطة مثل شارع القصر في المسافة من أمام كلية الطب إلى القصر الجمهوري، أو في أمدرمان في المسافة من الموردة حتى كبري النيل الأبيض مرورا بمقر المجلس التشريعي.
من الطبيعي أن يكون ذلك بعلم و موافقة السلطات حتى لا يُترك الأمر للتقديرات الميدانية للضباط او الجنود.
الجماهير وصلت إلى القصر الجمهوري في مواكب 19 ديسمبر 2021 الماضي وكانت كبيرة الحجم ومع ذلك شهد العالم كله سلمية الشباب الذين صعدوا في العربات المدرعة التي تحرس القصر والتقطوا الصور مع الجنود بمنتهى الوئام الاجتماعي.
حماية التظاهرات تستعيد الثقة المفقودة بين الشعب والقوات النظامية وتحقن الدماء، بل في تقديري من الحكمة أن يُسمح للمواكب بنصب منصة خطابة جوار النصب التذكاري أمام بوابة القصر والتحدث فيها بمنتهى الحرية.. فمن هنا يبدأ الحوار الحقيقي بين مكونات الدولة السودانية الرسمية والشعبية.