ابراهيم البدوي يكشف المثير حول توقعات ترشيحه لمجلس الوزراء

0

متابعات/ الرائد نت

أبناء وبنات شعبي الطيبين الشرفاء

أحييكم في البدأ وأترحم على شهداء وطننا البواسل وأرواحهم الطاهرة في عليائهم وادعوا لجميع من أصيب بالشفاء العاجل.
كما أحيي ذكرى الرعيل الأول من رواد الحركة الوطنية في ذكرى الاستقلال وأقرن تحيتهم بما أقدم عليه أبناؤنا وبناتنا بإقدام وشجاعة للتصدي للصلف والعنف ثمنا للإستقلال الكامل والديموقراطية وإنهاء عهد الدكتاتوريات وياله من قدر.

يأتي كتابي هذا سدا لباب التكهنات والتحليل، لتسمعوا مني لا عني.
فهذا الإنقلاب كان موقفنا منه قاطعا منذ البدأ ولن يحيد أو يتبدل.
فما يبذل من دم في الطرقات أعظم من كل منصب أو جهد أو عرق أو مداد يمكن أن نسكبه في سبيل الحق والوطن.
لم يكن هناك عرض بالمعنى الحرفى انما “شورى” او استمزاج رأى بخصوص ترشيح إسمى وعليه لم أتقدم بشروط إنما بروية مفادها أن الأولوية يجب أن تكون لبناء ميثاق وطني وتوافق عريض يرتكز إلى الفضاء السياسى الذي أوجده هؤلاء الشباب ثم بعد ذلك لكل حدث حديث. هذا هو التوصيف الدقيق لما دار وقد اتبعت ذلك بالمقال أدناه الذى يوضح رؤيتى لمقاربة مشروع وطنى فى إطار ثوابت الفضاء والشارع الثورى الماثل.
إننا نقف كتف بكتف مع بناتنا وأبنائنا وشعبنا في مسيرة طريق الحرية والسلام والعدالة ولن يسير أيا منا وحده.

نص الخطاب :

لا شك إن الخطاب التاريخى الذى ألقاه مساء أمس الأول، الثانى من يناير، الأخ دكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء حكومة الثورة المستقيل قد قدم الكثير من العبر لمن “أُلقى السمع وهو شهيد”. هذا الخطاب الوطنى الهام بقدر ما أنه جسد معاناة رجل قدم أقصى ما يستطيع وأقدم على مخاطرة كبيرة سعياً للملمت شعث البلاد كما أعتقد، إلا أنه يجب أن يُقرأ كوثيقة إدانة قوية لحاضنة مفترضة لم تقرأ التاريخ ولم تعبأ بفهم المتلازمة السودانية (نظام شمولى – ثورة شعبية – ديمقراطية انتخابية غير مستقرة – نظام شمولى أكثر سوءاً … وهكذا) ومآلاتها الكارثية والتي أعاقت المشروع الوطنى لأكثر من ستين عاماً ونيف، رغم تضحيات هذا الشعب وثوراته المشهودة، وثورته الخاتمة بإذن الله، أم الثورات التى كانت وما زالت تأخذ بألباب أحرار العالم فى كل مكان. حتى وإن لم يفصح بوضوح، إلا أن الخطاب يستبطن بحسرة مرارات تجربة الشراكة مع قيادة المؤسسة العسكرية التي تعاملت مع هذه الثورة واستحقاقاتها باستعلاء واستخفاف لا تخطئه العين، يشى بأنها أصلاً ربما لم تكن تؤمن بأن هناك ثورة.

أتقدم هنا بقراءة للحوار والنقاش، سعياً إلى مقاربة واقعية لبناء مشروع وطنى توافقى يمكن أن يحقق أهداف الثورة في ظل الفضاء السياسى الذى تأسس في كنف هذا الجيل السودانى الشاب، الذى أدخلنا في الممر الضيق المفضى الى الحرية والنهضة والرقى والذى الآن يقدم أروع ملاحم البطولة والفداء ليعيدنا إلى ذلك الممر الحميد بعد أن أخرجنا منه الانقلابين والفلول وغيرهم من أصحاب الأفكار العدمية البالية.الثابت الوحيد في السودان منذ سبتمبر 2013،والذى تجذر وتعمد بشلالات الدماء الذكية التي تدفقت ولا زالت في شوارع بلادنا الحبيبة منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، هو هذه الظاهرة الديموغرافية – الاجتماعية – السياسية التي أفرزت هذا الجيل الاستثنائي الشاب الذى يشكل ما يقارب السبعين في المائة من الشعب السودانى وهذا الفضاء السياسى الباذخ الذى أفرزته هذه الظاهرة.

هذا الفضاء حدد إطاراً سياسياً ذو ملامح واضحة تمحورت أضلاعها الثلاثة في اللاءات الثلاثة: لا تفاوض، لا شراكة، لا مساومة مع الطغمة الانقلابية. هذه اللاءات الثلاثة ومعها الأخيرة المتعلقة “بلا شرعية” الانقلاب وما ترتب عليه، شكلت حالة ذهنية للشعب السودانى الذى امتلأت به الشوارع والساحات في كل المدن والبلدات والأرياف على امتداد جغرافية هذا الوطن الحبيب الشاسع المترامى الأطراف.

في سياق هذا الثابت الديموغرافى – الاجتماعى – السياسى، لابد أن تسعى الأحزاب والقوات النظامية والحركات المسلحة والقوى المدنية والمهنية كافة إلى التموضع في إطار الفضاء السياسى الذى أفرزه هذا الثابت الذى يُنتظر، بإذن الله، أن يُؤسس لقيامة السودان الأرض والإنسان، وأن ينهى للأبد، بعون الله وتوفيقه، هذه المتلازمة المدمرة وصولاً إلى ديموقراطية توافقية مستدامة، ترفدها أحزاب برامجية يقودها هذا الجيل الشاب العابر للولاءات الجهوية والعصبيات الماضوية، مستشرفاً بناء دولة عادلة، قوية؛ تحقق السلام و العدالة الاجتماعية الشاملة؛ تقود التنمية المتوازنة وتنظم بيئة الأعمال المواتية للقطاع الخاص الوطنى والأجنبى.

الواقعية السياسية، بل المسئولية الوطنية، تقتضى بأن تسعى الأحزاب والكيانات المهنية وغيرها من القوى المدنية، وكذلك المؤسسة العسكرية للتموضع في كنف ثوابت الفضاء السياسى الذى تقوده تنسيقيات شباب المقاومة. عاجلاً أو قريباً آجلاً هؤلاء الشباب هم من سيقودون الحركة السياسية ومؤسسات الدولة بشقيها المدنى والعسكرى. إذن حتى دواعى المصلحة الذاتية المستنيرة، فضلاً عن المسئولية الوطنية الواجبة على الكل، تتطلب مراعاة الاعتبارات الآتية:

أ. هذا الشارع الثورى والفضاء السياسى الذى تمثله هذه الكتلة الشبابية الغالبة، يمثل مشروعاً قومياً يحظى بما يقارب الإجماع الوطنى الشامل كما تشير كل المؤشرات الماثلة في شوارع المدن والبلدات والأرياف

ب. عليه، المسئولية الوطنية على كل الأحزاب السياسية أن تنأى بنفسها عن محاولات الاستقطاب والتوظيف لهذه الثروة الاجتماعية – السياسية لأهداف وبرامج حزبية ضيقة والتي برأى، بكل الأحوال لن تنال نصيباً من النجاح، لكنها لا شك ستربك المشهد

ت. بالمقابل، فإن الأحزاب الأخرى التي تسعى إلى مشروع توفيقى يمكن برائيها أن يحقق أهداف الثورة المجيدة وطموحات الشباب المشروعة، عليها أن تدرك أن أي مبادرة توفيقية يمكن أن تحظى بقبول الشعب وهذا الجيل الشبابى الثائر لابد وأن تسعى للتموضع في قلب هذا المثلث ذو الزوايا الحادة ومن ثم تبدأ بمحاولة تدوير هذه الزوايا الحادة بصورة توافقية لتسهيل الانتقال نحو سلطة مدنية انتقالية كاملة الأركان وإن استصحبت مشاركة، وليس شراكة، عسكرية محدودة تتعلق بآليات عملية الانتقال في مجالات ذات طابع مهنى محدد:

دمج واعادة هيكلة القوات المسلحة بإشراف عسكرى- مدنى مشترك

تصفية متدرجة لأنشطة ومصالح القوات النظامية الاقتصادية التجارية غير العسكرية، تحت إشراف مشترك بين قيادة المؤسسة العسكرية ووزارةالمالية

الترتيبات الأمنية المرتبطة باتفاق جوبا ومشروع السلام بصورة عامة

ث. لقد حان الوقت بأن تدرك المؤسسة العسكرية بأن تسيس القوات النظامية وهيمنتها على سوق السياسة والمال في السودان لم يعد أمراً مقبولاً أو حتى ممكناً على المستوى الشعبى ويجب أن يكون كذلك من وجهة النظر المهنية البحتة:

بحسب كل التجارب العالمية، فإن أقوى الجيوش تدريباً وتسليحاً وكفاءة تبنيها الدول الديموقراطية، المدنية، التي تحافظ على سلامة أراضيها ووحدتها الترابية ولا تزج بجيوشها في حروب ضد شعوبها أو في حروب خارجية عبثية

الحكمة التي يتوجب توخيها من تراث الحضارة الغربية، كما أفاد الإمام الصادق المهدى، عليه الرضوان، بأن أعظم إنجازات هذه الحضارة للبشرية جمعاء – والتي علينا أن تبنيها كما جاء في الهدى النبوى “الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا”- تتمثل في (أ) التداول السلمى للسلطة بين النخب السياسية حسب الإرادة الشعبية الحرة؛ و (ب) خضوع المؤسسة العسكرية التي تحتكر العنف المنظم للسلطة المدنية المنتخبة

كذلك بحسب أدبيات النمو الاقتصادى لمجتمعات ما بعد الحروب الأهلية، في ظل الحوكمة السياسية الرشيدة والديموقراطية التوافقية البرامجية، يمكن مضاعفة الناتج المحلى فى سبع سنوات فقط، مما يُمكن معه مضاعفة الموارد العامة لبناء منظومة عسكرية، شرطية وأمنية حديثة أكبر بكثير من ريع الشركات الاحتكارية وغيرها من الأنشطة الريعية في قطاعات التعدين والتجارة والخدمات

ج. كذلك على حركات الكفاح المسلح أن تدرك مدى عمق التحولات التي حدثت في مجتمعاتها وتتأمل في دلالات الحراك الشبابى الذى انتظم المدن والبلدات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق أسوة برفقائهم في كل السودان، مما يستوجب ضرورة تصويب اتفاق جوبا للسلام في إطار مؤتمر قومى للسلام يحقق التمييز الإيجابي للمجتمعات والمناطق المتأثرة بالنزاعات عبر آليات قومية بعيداً عن المحاصصات المرتبطة بكيانات أو حركات بعينها

هذه بعض الأفكار العامة التي برأى تمثل إطاراً عاماً، وإن يكن غير مكتملاً، لبناء مبادرة وطنية تعالج الانسداد السياسى الحالي، يمكن أن تُحظى بإجماع شعبى عريض، تعيد اللُحمة بين أبناء الوطن الواحد، مدنيين وعسكريين، وبلا شك ستحظى أيضاً بدعم وتأييد المجتمعين الدولى والأقليمى. في ظل هكذا اتفاق يبدأ من الكتلة الشبابية ويشمل كل أو حتى جُل الحركة السياسية ويُقبل بواسطة المؤسسة العسكرية نزولاً على أمر وإرادة الشعب، يصار إلى تشكيل هياكل السلطة الانتقالية والتوافق على الشخصيات ذات القبول المناسب للتصدى للمسئولية الوطنية الماثلة.

دكتور إبراهيم أحمد البدوى
وزير المالية والتخطيط الاقتصادى السابق
عضو المجلس الاستشاري الأعلى للأمين العام للأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية

4 يناير، 2022

اترك رد