يس عمر يكتب : أزمة رئيس الوزراء المنحل
الخرطوم الرائد نت
تراضى عدد كبير جدا من الناس حول شخصية رئيس الوزراء المنحل د.عبدالله حمدوك لما للرجل من وقار وحسن سمت ورزانة في التعامل مع غالبية الأحداث المتسارعة، حتى أن المؤسسة العسكرية نفسها ليس بينه وبينها إلا التناغم التام.
لم يستطيع د.عبدالله حمدوك التعامل بحكمة مع ملف شرق السودان المتأزم وأصبح ينظر لحكومته وهي تراشق مكونات شرق السودان المختلقة تارة بالمأجورين وأخرى ببقايا النظام البائد بل ذهبوا أبعد من ذلك عندما طلبوا مواجهتهم بقوة السلاح “كما ذكر الناظر ترك” ومثلهم كمثل من استهموا سفينة وكان بعضهم في أعلاها وبعضهم في أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا أرادوا ان يستقوا الماء مروا على الذين في أعلاها فقالوا علاما نؤذي جيراننا فلو خرقنا خرقا في نصيبنا فلو تركوهم وما أرادوا لهلكوا جميعا وهذا الذي حدث وهلكت حكومة د.حمدوك جميعا، لم يحدث هذا الأمر إلا عندما تباطئ حمدوك في تشخيص الداء لصرف ما يناسب من الدواء ، فلو ذهب إلى مكان انطلاق شرارة الأزمة ونزع فتيلها بنفسه بدلا عن وزيرة الخارجية ووزير شئون مجلس الوزراء كان يمكن أن يزيل الاحتقان قبل أن يستغلها البعض وقد استغلها وقبل أن تتفاقهم وقد تفاقمت، زاد رئيس الوزراء المنحل من شدة الأزمة عندما وصف الإنقلاب الذي فشل قبل اجراءات 25 أكتوبر 2021 بأنه بدأ من شرق السودان وأعجب من ذلك أن جاءت تصريحات حمدوك عقب فشل الانقلاب بساعات معدودة أي قبيل تصريحات القائد العام للجيش نفسه.
مهام الحكومات الانتقالية التي لم ينظر لها رئيس الوزراء الانتقالي “المنحل” تتمثل في ثلاثة نقاط مهمة:
- وضع معالجات اقتصادية مستعجلة لايقاف التدهور الاقتصادي.
- التعامل بشرعية القانون لا الشرعية الثورية تجاه النظام الحاكم الذي ثار عليه الناس لتقديم الفاسدين إلى المحاكمة، وهنا مارست لجنة وجدي أبشع صور التشفي والديكتاتورية المدنية البغضية تجاه خصومها السياسيين وهو الأمر الذي لا يقبل به عاقل ومن أبسط صور العدالة أن تتيح لخصمك مساحة ليدافع فيها عن نفسه وهذا لم يكن.
- تهيئة البلاد إلى الاستعداد لقيام انتخابات مبكرة يختار فيها الشعب من يحكمه، وهؤلاء يطالبون بفترة انتقالية عشرة أعوام وآخرين يطالبون تمديدها لخمسة عشر سنة.سرعان ما انتهى شهر العسل عندما فشل حمدوك في تهدئة السوق ورغيفة الخبز التي أسقطت عبود ونميري والبشير وستسقط آخرين فجاءت العبارة الشهيرة التي ربما خصص لترويجها نشطاء وحملات إلكترونية مدفوعة “شكرا حمدوك”، لم تستمر عبارة شكرا حمدوك كثيرا وسرعان ما مرت بأيام نحسات لاسيما مع أزمة السوق والارتفاع الجنوني للأسعار إضافة للتشاكس الداخلي وانشقاقات قوى الحرية والتغيير التي بدأت أمام الناس مع أزمة شرق السودان
أعتقد أن د.حمدوك كان يعاني من مجلس وزراءه كثيرا باستثناء وزيرا العدل والشئون الدينية فهما المسار الأكثر اهتماما من قبل د.حمدوك وهو التغيير الثقافي المنشود، ولا اظنه بمعزل أو أنه غير راض عن الاجراءات التي اتخذت في 25 أكتوبر 2021 لكن هنالك بعض القراءات التقريبية لتفسير ممانعة حمدوك من العودة إلى رئاسة مجلس الوزراء:
- حفظ جميل من أتو به لرئاسة مجلس الوزراء أو الخوف من اتهامه بالخيانة وتأليب الرأي العام ضده.
- الخوف من الشارع المؤيد لمجموعة الأربعة أو وعدهم له بخروج الشارع وعودته بقوة الشارع.
- الخوف من ردة فعل سيئة من مجموعة الأربعة عليه وأفراد أسرته
- خروج متظاهرين يطالبون بعودته سيجعل من خروجه الآن من المشهد السياسي الانتقالي بطلاً قوميا وأنه رئيس وزراء منقلب عليه من القوات المسلحة السودانية المشهوده بتأريخها الطويل وهذه فرصة لا تعوض.
- الرغبة في دخول انتخابات قادمة بفترة خمسة سنوات بدلا عن سنتان في انتقالية هشة ومتشاكسة مكتنفة بالعديد من المخاطر.
- العودة بشرعية الصندوق لا الحاضنة السياسية.
كنت أتمنى من رئيس الوزراء المتراضى عليه من عامة الناس أن يكمل المشوار حفظا للدماء ومنعا للمتاجرة بها وأن يسعى جادا في بالنظر في اهتمامات الناس وأن يكوين حكومة مدنية تمثل كل الناس من شخصيات مؤهلة مستقلة كما نصت الوثيقة الدستورية وأن يسجل موقفا تاريخيا وطنيا حقيقيا في تاريخ الدولة السودانية وأن يترك الأحزاب الأربعة وغيرها تذهب إلى إزالة الغبار من دورها لتستعد لخوض الانتخابات تحقيقا لمبدأ الديمقراطية وهي الوسيلة الوحيدة لوصول الأحزاب السياسية إلى السلطة ولكنه لم يفعل وإن عاد لن يفعل.