تهراقا حمد النيل يكتب : لماذا الإنقلابات في السودان؟

0

متابعات/ الرائد نت

-١-

الإنقلاب كما هو معروف هو الإنقلاب على السلطة الشرعية وقد شهد السودان على مدى تاريخه الطويل عدداً كبيراً من الإنقلابات بدءاً من انقلاب الطلبة الحربيين وانتهاءاً بالإنقلاب الأخير الذي تم إفشاله في ٢١ سبتمبر ٢٠٢١ .

-٢-

ليس تأييداً لها لكن عادة ما تأتي الإنقلابات تصحيحاً لأوضاع خاطئة سواء كانت سياسية أو اقتصادية ، وأعتقد أن السبب الرئيس لحدوث الإنقلابات العسكرية هو فشل النخب السياسية السودانية على مر تاريخ السودان ، ولم يحدث انقلاب إلا وشارك فيه مدنيون حتى وإن لم يعرف الرأي العام ذلك ، و الغريب في الأمر والمُحيّر أن الذي يدين الإنقلابات هي بعض الأحزاب التي تعودت على الإنقلابات وعقيدتها تعتمد على هذه الوسيلة الدموية في تغيير الأوضاع ومخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً.

-٣-

مثلاً كثرة المحاولات الإنقلابات العسكرية هي مؤشر مباشر لفشل النخب السياسية الحاكمة هذا على تاريخ السودان ، لنأتي إلى الفترة الإنتقالية التي نعيش فيها فإن كثرة المحاولات الإنقلابية ما هي إلا مؤشر لفشل النخبة السياسية الحاكمة الآن ، لكن قومي لا يعلمون ، بل إن تلك النخب بدل أن تعي الدرس وتفهم الرسالة تظل تدين وتستنكر وتكيل الإتهامات للقوات المسلحة ، التي لولاها لما حدث هذا التغيير ، وأذكر أنه في بداية ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨ كنت أعرف ضباط وعساكر كانوا يرتدون الملابس المدنية للمشاركة في التظاهرات والإحتجاجات للإدلاء بدلوهم في الثورة لأن الوضع حينها لم يكن يعجبهم من قتل وتنكيل بالثوار ، بل وأثناء الإعتصام بالقيادة تصدوا وحموا الثوار وخالفوا الأوامر العسكرية وعرضوا حياتهم ووظائفهم ورتبهم للخطر ، لكن لم يحفظ أحد لهم ذلك الجميل ، وهم لم يفعلوا ذلك ليشكرهم أحد وإنما لأنهم أحسوا بالمسؤولية تجاه أبناء وطنهم .

-٤-

احترمت تفهم السيد رئيس الوزراء للوضع بعد المحاولة الإنقلابية لأنه فهم الرسالة التي أراد منفذوا المحاولة الإنقلابية إيصالها للنخبة السياسية الحاكمة وهي أن هذا الإنقلاب ما هو إلا مظهر من مظاهر فشلها في إدارة البلاد وما هو إلا تعبير عن عمق الأزمة التي تعيشها وأدخلت البلاد فيها وأتمنى أن تحدث مراجعات للفترة الإنتقالية على مستوى الجهاز التنفيذي والنخب السياسية التي كانت ولازالت منذ خروج المستعمر همها قضم أكبر حصة من كعكة السلطة وأعتقد أنها للأسف هي خليفة المستعمر ، فلا يمكن للمستعمر أن يخرج من بلد ويتركه وشأنه ، وللأسف كما قال البرهان أنه لم يشكر أحد مَن قاموا بإفشال المحاولة الإنقلابية وتصدوا لها وعرضوا حياتهم للخطر من أجل الحفاظ على وحدة الوطن وتماسكه وسلامة مواطنيه ، ليس ذلك فحسب وإنما قامت بعض الأحزاب المهترئة بتوجيه ناشطيها بمهاجمة الجيش وكالعادة يفشل السياسيون ويُلقى اللوم على الجيش ، لكن أبطال القوات المسلحة لا يريدون جزاءاً ولا شكوراً وكان يمكن أن يُنجحوا الإنقلاب لأن أول ما كان سيفعله الإنقلابيون في حال نجح انقلابهم هو زيادة رواتب الجيش الذي يعيش أفراده ظروفاً إقتصادية مأساوية “تصعب على الكافر” لكن أبناء القوات المسلحة لا يظنون أنهم أفضل من بقية الشعب في شيء ويفضلوا والمال على حياة الشعب السوداني الذي كان سوف تسفك دماؤه جراء ذلك الإنقلاب و أبناء هذه المؤسسة العريقة لا يرضون أن تكون لهم الخيرة على الشعب السوداني فهم أبناء هذا الشعب .

-٥-

في الحقيقة إن الوضع الإقتصادي الذي يعيشه المواطن الآن سيء للغاية والسبب فيه هو النخبة السياسية الحاكمة بسياساتها العرجاء وهو بلا شك يستدعي التغيير ، لكن للأسف العسكر لا يعرفون وسيلة للتغيير سوى الإنقلابات التي لطالما كانت بإيعاز من نخب سياسية معينة ، لكن ليس من الحكمة التغيير عبر الإنقلابات فقد ولى عهد الإنقلابات ولا أشك في أن الإنقلابيين الذين نفذوا الإنقلاب الأخير يعلمون ذلك وأظنهم كانوا يعلمون بأن هذا الإنقلاب قد حُررت له شهادة وفاته قبل ميلاده لأسباب كثيرة لا يتسع المجال لسردها .

-٦-

الآن السودان على “كف عفريت” كما يُقال ، وليس من الحكمة تغيير هذا الوضع الخاطئ عبر أي انقلاب لأسباب منها عدم اعتراف المجتمع الدولي بالإنقلابات ، لكن على المستوى المحلي كانت ستحدث مجزرة لولا ستر الله للسودان فالسودان للأسف به كمية من الجيوش والمليشيات المسلحة وأي مقاومة للإنقلاب بالقوة كان سينجم عنه إحالة الخرطوم إلى رماد وحطام .

-٧-

لا حلّ للمأزق الذي نحن فيه سوى أن نعترف بأننا مختلفون عن بعضنا وأن نتقبل بعضنا البعض على إختلافنا طالما أن خلافنا من أجل رفعة وإعلاء هذا الوطن ، أما إذا كانت تلك الخلافات من أجل المحاصصات والحصول على أكبر حصة من كعكة السلطة فلنراجع أنفسنا بكل أطيافنا السياسية والمهنية سواء كنا مدنيين أم عسكريين ، يجب أن نتحد وأن ندرك أنه لا أحد يهمه مصلحة السودان سوى السودانيين و “الجمرة بتحرق الواطيها” ، و الإختلافات هي سنة الحياة وحتى أن الإنسان الذي خلقه الله سبحانه و تعالى لعبادته إختلف على عبادته فمن الناس من كفر بخالفه والعياذ بالله ، فما بالكم بالإختلاف على القضايا الوطنية ؟!

-٨-

لا بأس بالخلافات إذا كانت حول “كيف يُحكم السودان؟” ، لنتحد ونتحاور ونتشاور للإجابة على هذا السؤال ، ولا تكن خلافاتنا حول “من يحكم السودان؟” ، ويصبح كل حزب بما لديهم فرحون حتى لا نفشل وتذهب ريح السودانيين ، فالسودان أمانة في أعناقنا على إختلاف أفكارنا وتوجهاتنا ومناصبنا ووظائفنا .

-٩-

وختاماً أدعو النخبة السياسية الحاكمة إلى الإسراع في تنفيذ توجيهات السيد رئيس الوزراء بالجلوس سوياً ومعرفة مواطن الخلل وأسباب الفشل والإهتمام في الأول والأخير بمعاش الناس فإن الشعب قد ملّ منه الصبر ولا زال صابراً على فشلكم لكن يحدوه الأمل لأنه يرجو أن تصحو ضمائركم وأن تنتبهوا للسودان الذي كل يوم يضيع منا ، كما أدعو الشعب السوداني أن يكرم أبطال القوات المسلحة الذين تصدوا للمحاولة الإنقلابية الفاشلة فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله ، حتى لو كان ذلك واجبهم ، شكراً وعرفاناً لتفانيهم في الحفاظ على وحدة الوطن وتماسكه .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.