الفاتح جبرا يكتب : خطبة الجمعة
متابعات/ الرائد نت
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم على محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أَمَّا بَعْدُ أيها المسلمون:
من الأعمال الصالحة التي يغفلُ عنها كثير من الناس، عملٌ يسيرٌ جداً، لا يُكلِّفُ المرءُ فيها نفسَه مشقة أو عنت بل لا يكلفه سوى ثوان معدودة ، إنَّه عمل جعلَه نبينا -صلى الله عليه وسلم- من الصدقات، إلا أنها صارت صدقةً منسيةً في ظلِّ هذا الزمن الذي طغت فيه الماديات، وانشغل فيه الناس بالدنيا وزخرفها ، إنني أعني الابتسامة والتي قال عنها سيد البشر (تبسمك في وجه أخيك صدقة) هذه الإبتسامة التي تنطلقُ من الشفتين بأيسر ما يكون؛ لا تحتاج إلى بذل مال ولا قوة جسد؛ لتمسَّ في المقابلِ قلباً فتخالطَه، وتمسحُ آلامَاً فتداويها و جراحَاً فتزيلها وتخفيها فيا لكرم الله إذ جعل لنا في هذه الحركةِ التلقائية صدقةً تُكتَبُ لنا يوم القيامة لتكون في مثاقيل موازيننا.
أيها الأحباب :
إن الابتسامة لها مفعول السحر في التأثير على الآخرين، وإنبساط المحيا وطلاقةُ الوجه تُذيب ما في الصدور من الشحناء والبغضاء، إبتسم وأنت تدخل على أفراد أسرتك ، إبتسم وأنت تدلف إلى زملائك في العمل ، لا تجلس مع إخوتِك وأصحابِك إلا وقد سبقت ابتسامَتُك سلامَك، فتصفى القلوبُ حينئذ، وتزدادَ الألفةُ فيما بينك وبينهم ، ابتسم لكلِّ من تلقاه عينك، عند الإشارة وأنت واقفٌ بسيارتك، وعند خروجك من المسجد، وعند لقياك للناس في أي مكان ، إبتسم فإن الإبتسامة تُذيب ما في القلوب وتجعلها ممتلئة بالحب والمشاعر النبيلة الجميلة ولها مفعول السحر في كسر الحواجز بينك وبين الآخرين.
أيها الكرام:
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البِشْر والتبسم، وكانت ابتسامته عنواناً له، يؤلِّف بها قلب من رآه، ويأسِرُ بها من نظر إليه، ويُكرِم بها أصحابه، يذيبُ بها النبي -صلى الله عليه وسلم- الجليد من الصدور، ويزيل الوحشةَ من النفوس وهو يحثنا عليها قائلاً صلى الله عليه وسلم (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسطُ الوجه، وحسن الخلق) (صحيح الألباني) ، كم نحن أيها الأحباب بحاجةٍ إلى هذا الخلق الكريم في حياتِنا كلِّها؟ فلن نملكَ أحداً من الناس؛ حتى أهلَنا وأصحابَنا بأموالنا أو بنفوذنا، ولكننا سنملكهم بطلاقة الوجه وحسن التعامل.
أيها الأحباب :
كثيرٌ من الناس يعتقد أن تقطيب الحاجبين، وتعبيس الوجه، هي من صفات القوة والرجولة، فأين هؤلاء من سنة التبسم في الإسلام، وهدي أحب الخلق إلى الرحمن؟ فالرجل الذي تهربُ منه البسْمة، ولا يجد الرائي له إلا وجهاً مُقطِّباً عبوساً، ينفرُ منه الناس، بل ينفرُ منه أهله وأقاربُه، ولا يجدون في أنفسهم قبولاً له.
أيها الأحباب :
كم مِنْ مُقبلٍ أبعدته غِلظَةٌ وتقطيبُ جَبين؟! وكم مِنْ مُدبرٍ أعادَته ابتسامَةٌ وردَّته إلى حياضِ الخير؟ فاتّقِوا الله، واتركوا التقطيب والتجهم والعبوس، أُظهِروا البشاشة والسرور، وجربوا أن تبتسموا رغم قساوة الحياة وتمرنوا على ذلك فلا يأتي عليكم زمان إلا وستكون هذه الابتسامةُ النبوية ملازمة لكم .
أيها المسلم :
إن ابتسامتُك تزيدك بهاءً ونوراً، وألقاً وسروراً وتفاؤلاً وهمةً للإنجاز والعمل، وبالابتسامة تتغلب على هموم الحياة، وكدر هذه الدنيا المليئة بالأحزان والآلام ، وبالابتسامة توجد لك أملاً نحو الحياة السعيدة ، قال الإمام الذهبي رحمه الله (السير 10/141) : (ينبغي لمن كان عبوسًا منقبضًا أن يتبسم، ويُحَسِّن خُلقه، ويمقت نفسه على رداءة خلقه، وكل انحراف عن الاعتدال فمذموم، ولا بد للنفس من مجاهدة وتأديب)
أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.