عثمان ميرغنى يكتب.. ( تعيين المستشارين الجدد.. )
الخرطوم الرائد نت
الدكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان الانتقالي أصدر أمس قراراً بتعيين مستشارين جدد هم الأساتذة عائشة أحمد محمد ،وياسر عرمان و.وجود كوكبة من المستشارين في أعلى سنام السلطة التنفيذية أمر محمود لأنه يغذي صناع القرار بخبرة إضافية ووجهات نظر وخيارات تساهم في ترفيع قيادة البلاد.و من الحكمة دائماً النظر في مثل هذه القرارات إلى العائد لا المنصرف، فالعائد من “مأسسة” مكتب رئيس الوزراء (أي ترفيع الدور المؤسسي) أكبر كثيراً من أية حسابات ترتبط بمنصرفات الأجور وغيرها.و لكن ذلك يتطلب إحكام التوصيف الفني لمنصب “مستشار” فهذا المنصب في النظم السابقة لم يكن يعني أكثر من “وظيفة تشريفية لا تشترط المؤهلات وليس مطلوباً فيها إنجازات”.. ويذكر البعض الطرفة الشهيرة في عهد الرئيس الأسبق جعفر نمير..المستشار خرج بعد مقابلة الرئيس فسأله الصحفيون عن ما دار في الاجتماع فقال لهم (لقد زودني الرئيس بنصائحه)!!في السنة الأولى للحكومة الانتقالية صدر قرار بتعيين زميلنا فائز السليك مستشاراً إعلامياً لرئيس الوزراء، وبعد أسبوع تقريباً بث التلفزيون القومي خبراً (رئيس الوزراء يستقبل مستشاره الإعلامي) وظهرت الصورة د. حمدوك وهو يستقبل السليك في مكتبه ويجلس معه في المقاعد الجانبية.. مثل هذا الخبر يضرب في الاتجاه المعاكس تماماً، فإذا كان لقاء الرئيس بمستشاره خبراً فذلك يعني أن المستشار ليس جزءاً أصيلاً من مؤسسة رئيس الوزراء، فالمنطق أن كوكبة المستشارين هم مجموعة قريبة من محيط الرئيس بصورة تجعل اللقاء بهم عملاً في مقام الروتين اليومي الذي لا تذكره الأخبار.توصيف دور المستشار في مكتب الرئاسة مهم للغاية، ماهي مهامه بالضبط، فلا يكفي مثلاً أن يقال ياسر عرمان مستشار سياسي، ماهي حدود الاختصاص؟ وكيف يقوم بمهامه؟ هل يعتمد على مدى قدرته في فرض نفسه على جدول الرئيس؟ أم أن دورة صناعة القرار تستلزم أن تأخذ برأيه في سياق إنتاج القرار النهائي؟ذكرت هنا في مرة سابقة ما رواه السيد جيمس كومي رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة الرئيس أوباما ثم بداية عهد ترامب.. أبدى كومي انبهاره بالطريقة التي ينظم بها موظفو البيت الأبيض اجتماعات الرئيس الأمريكي بمستشاريه، ووصف كيف أنهم يجتمعون بالرئيس في الطابق الثاني في غرفة بها طاولة صغيرة لدرجة أن أرجل المجتمعين تصطدم برجل الرئيس تحت الطاولة أحياناً.. قال كومي، أنه يجد نفسه أحياناً جوار الرئيس، وفي مرات أبعد موقع في الطاولة ومرات في منتصف الطاولة ثم علم أن موقع أي شخص في طاولة الاجتماع يرتبه موظفو البيت الأبيض بناء على أجندة الاجتماع، فإذا كان دوره محورياً جلس جوار الرئيس ، وإذا كان ثانوياً ابتعد بمقدار أهمية دوره.. بعبارة أخرى أن موظفي المراسم يدرسون بدقة الاجتماع وأجندته ودور كل مدعو ثم ترتب الجلسة على هدى ذلك.. مؤسسة بمعنى الكلمة؛ ولهذا استحقت أن تكون أمريكا أكبر قوة سياسية واقتصادية وعلمية في العالم.