حيدر المكاشفي يكتب.. وردي..فنان السودان والدول المجاورة
الخرطوم الرائد نت
أعلنت الحكومة عبر رئيسها د. حمدوك أن العام القادم 2022 سيكون عاما للفنان السوداني الراحل محمد وردي، وذلك بمناسبة مرور عشرة أعوام على رحيله، وكانت قاعة الصداقة قد شهدت بهذه المناسبة مهرجانا حاشدا تبودلت فيه كلمات الوفاء والعرفان لهذا الهرم السوداني، وإسهاما منا بجهد المقل في هذه الذكرى لا بد أن نقول ولو بعض كليمات في حق هذا المبدع الوطن..يروى عن الفاروق عمر رضي الله عنه، أنه طلب ذات مرة من أحد أبناء هرم بن سنان أن ينشده بعض مدح زهير بن أبي سلمى في أبيه، فأنشده. قال الفاروق وقد طرب وانتشى لما سمع، إنه كان يحسن فيكم القول، قال الابن ونحن والله كنا نجزل له العطاء، قال عمر قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم. وهذه من حكم الفاروق التي تلخص سرمدية وخلود القيم الجميلة والعطاء الباقي الذي لا يبلى ولا يفنى بموت صاحبه، وهرم بن سنان هذا الذي أبدع ابن أبي سلمى في مدحه هو أحد أجود أجواد العرب في الجاهلية، يضرب به المثل في الجود والعطاء، ومما يروى في ذلك أنه وابن عمه الحارث بن عوف، هما من تكفلا بدفع ديات القتلى في حرب داحس والغبراء الشهيرة، واستطاعا بذلك إطفاء نار هذه الحرب التي دامت أربعين عاما..ومثل شعر زهير الباقي والخالد فينا، كان غناء وحداء فقيدنا القامة والهامة محمد وردي، الذي سيبقى خالدا لن يزول بما خلفه من روائع خالدة دغدغت الوجدان الوطني السوداني والأفريقي والعربي بعطائه العابر للحدود وللشعوب، وتلك هي رسالة الخلود التي أخذها وردي بحقها فحمل فنه بكل محمولات القيم الجميلة ليؤكد بيانا بالفن أن الفن أقوى من السياسة، وأنه عابر للحدود يجمع بين الشعوب في حين تفرق بينها السياسة. ومن باب أولى فإنه على توحيد وجدان بني الوطن الواحد أقدر وأجدر، فوردي لم يكن للسودان وحده ولا للسودانيين وحدهم، بل طار صيته وذاع فنه عابرا الحدود ليشنف أسماع الكثير من الشعوب تجده أينما حللت في مشارق القارة ومغاربها، في تشاد والنيجر ونيجيريا والكميرون والسنغال وبلاد الهضبة وما أدراك ما الهضبة اثيوبيا واريتريا و…. و… مما تعدون كلما عبرتم الحدود، وكيف لا وفن وردي كان هو مرآة كل هذه الشعوب والمعبر عن تاريخها وقيمها وصعودها وهبوطها، وكان هو ابن الشعب الذي خرج من نسيج الشعب ورحمه وتشرب آماله وطموحاته، وعايش آلامه وعذاباته، وسيكون من العبث لو حاولت أن أحصي مناقب وردي وفضائله التي رفد بها الغناء السوداني وغذى بها الوجدان الوطني في هذه العجالة، كما أنني لست المؤهل للحديث عنه سوى بهذه الإشارات المعممة العابرة، فهناك من هم أقدر وأعرف وأحق بمثل هذا الحديث، وما كان لي أن أتقحم هذا المقام لولا أن ذكرى رحيل فنان بهذه القامة والكاريزما لابد أن يعلو على أي حدث آخر، بل لابد أن يشكل حدث الساعة وحديثها لكاتب راتب مثلي لا يمكنه بأية حال تجاوز ذكرى هرم ورمز لا يعوض، وقل أن يجود زمان السودان بمثله في مجاله، فله الرحمة والغفران، ولنا جميعاً العزاء والسلوان..