زهير السراج يكتب.. كلام ساكت!

0

الخرطوم الرائد نت

خرجت علينا وزيرة المالية المكلفة سابقاً ومستشارة وزير المالية حالياً الدكتورة (هبة محمد علي) بتصريحين غريبين جداً قبل يومين، يكشفان بكل وضوح العشوائية والتخبط في الاداء الحكومي، وعدم إلمام البعض ــ ولا أريد أن أقول (الجهل) ــ بمهامهم وما يجري في العالم من حولهم !* الأول، هو حديثها عن “مخاطبتهم لدول عربية وأجنبية بشأن استرداد الاموال المنهوبة”، وهو ما يكشف عن عدم الإلمام بالطريقة الصحيحة لاسترداد هذه الأموال ــ ولقد كتبت عن هذا الموضوع أكثر من خمس مقالات آخرها قبل بضعة أيام على خلفية مخاطبة رئيس الوزراء لورشة عمل حول (التدفقات المالية غير المشروعة) جدد فيها تعهد الحكومة بإرجاع كل الاموال المنهوبة والمهربة خارجياً”، ذكرتُ فيها بالتحديد أن العملية طويلة ومعقدة تستلزم اتباع إجراءات طويلة ومعقدة، وليست مجرد محادثة هاتفية او تقديم طلب للدولة المودع فيها المال المنهوب، ولكن يبدو أن وزارة المالية ووزيرها ومستشارته يعيشون في عالم آخر!* لعلم الدكتورة هبة، فإن أول إجراء يجب أن يتخذ لعودة المال المسروق، حسب الشروط والقواعد التي وضعتها عدة دول قبل ما يقارب من عشرين عاماً بمبادرة من الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتهريب الاموال، هو الحصول على حكم قضائي يثبت ملكية الدولة للمال المنهوب، بواسطة محكمة عادية يتوفر فيها للمتهم بسرقة أموال وتهريبها خارج الدولة كل فرص الدفاع عن النفس، قبل ان تبدأ إجراءات استعادة المال المنهوب من الدول المودع فيها هذا المال، وضربت عدة أمثلة لتجارب خاضتها بعض الدول منها (مصر، تونس، نيجيريا والفلبين)، أخفق بعضها ونجح البعض الآخر في استعادة المال المنهوب بعد سنوات طويلة من العمل الشاق، القانوني والفني والمالي ..إلخ، وليس كما تعتقد المستشارة الحالية والوزيرة السابقة السيدة الدكتورة (هبة محمد علي) أن المال يمكن أن يعود بالمخاطبات والعلاقات الخاصة، وأرجو من سيادتها الاطلاع على هذا الموقع (https://star.worldbank.org/sites/default/files/2021-01/star_brochure_arabic.pdf) لتتعرف على مبادرة الامم المتحدة لاسترداد الأموال المسروقة (Star ) ومعرفة الشروط اللازمة لذلك !* التصريح الثاني، “عدم مقدرة وزارة المالية على صرف حافز الموظفين بالدولة الذي حدده مجلس الوزراء والبالغ نحو 10 مليارات جنيه، بسبب ضعف الإيرادات العامة، والعجز في سداد المرتبات”، وهو ما يثير الدهشة والغضب ويهدم الثقة في أي تصريح او حديث يصدر عن أجهزة الدولة وعلى رأسها مجلس الوزراء الذي خرج على الناس ببيان طويل عريض منذ حوالي أسبوعين بعد اجتماع سري مغلق خلال العطلة الاسبوعية استمر لثلاثة أيام (وكأنهم يخططون لانقلاب عسكري) أعلن فيه عن مجموعة قرارات وإجراءات وبشريات، من ضمنها ” تقديم منحة شهرية قيمتها 10 مليار جنيه لكل العاملين بالدولة، غير خاضعة للضرائب، تُخصص النسبة الأعلى منها للدرجات الأدنى، وذلك لمقابلة الظروف الاقتصادية الحالية اعتباراً من يوليو 2021م”، مما أشاع السعادة في النفوس، واكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات الشكر والتقدير وعلى رأسها العبارة الشهير (شكراً حمدوك) .. قبل أن تكشف السيدة المستشارة قبل يومين عن عدم مقدرة وزارة المالية عن الايفاء بالمرتبات، دعك من الحافز الذي أقره مجلس الوزراء، وانه (مجرد كلام ساكت)!* ونتساءل: ألم يحضر وزير المالية أو من ينوب عنه ذلك الاجتماع، وينبه السادة اعضاء المجلس الموقر الى الموقف المالي للدولة (المعروف للجميع) باعتباره الوزير المسؤول، أم انه فعل ولكنه شارك تحت الضغط في عملية المقصود منها ممارسة الخداع على المواطنين، أم أن الحكومة (طلس ملص) ولا يعرف أي مسؤول فيها ماذا يفعل ؟! * وإذا كانت الدولة عاجزة عن الايفاء حتى بالمرتبات والحافز (الخدعة)، فكيف نفهم قرارات المجلس في نفس الاجتماع “بإدخال مليون أسرة فوراً تحت مظلة التأمين الصحي، وتوسيع قاعدة تطبيق برنامج ثمرات لتصل إلى 3 مليون أسرة (حوالي 15 مليون مواطن) خلال شهرين، وزيادة رأسمال برنامج سلعتي من 2 مليار جنيه لعشرة مليار جنيه لزيادة رقعة وصول المستفيدين من المشروع في كل ولايات السودان، وتطبيق الهيكل الراتبي الجديد اعتباراً من السنة المالية الجديدة 2022م، وبدء استيعاب 5 ألف موظف وموظفة بالعاصمة والولايات بمدخل الخدمة، و قبول كل الأطفال في سن التدريس مجاناً بالصف الأول ابتدائي بالمدارس الحكومية”، إلا إذا كان كل ذلك أيضاً خداع في خداع!* وكان من المضحك محاولة السيدة المستشارة امتصاص غضب الموظفين من الخداع الذي مارسه عليهم مجلس الوزراء والكشف عن عدم قدرة الدولة على الايفاء بالحافز الذي كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر مع تباشير العيد، بتبشيرهم عن تعاقد وزارة المالية مع بعض التجار لتوفير خراف الأضاحي للعاملين بالأقساط وبأسعار معقولة، والخوف ان يكون ذلك أيضاً خداع في خداع!* إذا كان مجلس الوزراء يمارس الألاعيب والحيل والخداع مع المواطنين، فكيف يكون حال بقية المسؤولين وصغار الموظفين، وهل نلومهم إذا اقتدوا به؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.