مصطفى ابوالعزائم يكتب : جيش واحد
الخرطوم | جوال الخير
لابد من نعترف جميعاً بضعف الشق المدني في السّلطة الإنتقالية ، مثلما إعترف بذلك الأستاذ فيصل محمد صالح ، المستشار الإعلامي بمكتب رئيس الوزراء ، ووزير الثقافة والإعلام السّابق ، والصحفي الشجاع قبل هذا وذاك ، وإعترافه ذاك يستوجب منا أن نحيي شجاعته ، خاصة وإنه أشار إلى أسباب ذلك الضعف ، عازياً إياه للتشظي الذي حدث في قوى الحرية والتغيير ، إضافة للإنشقاقات والخلافات السياسية ، مع إشارته إلى أن جميع القوى السياسية داخل قوى الحرية والتغيير ، أيدت الشراكة مع المكوّن العسكري ، ما عدا الراحل علي محمود حسنين ، الذي رفض مبدأ التفاوض مع العسكريين وطالب بالسلطة المدنية الكاملة .
حديث الأستاذ فيصل استمعت إليه قبل أيام من إحدى إذاعات الإف إم بالخرطوم ، وقد كان حديثاً شجاعاً ، شخّص الأزمة وحلل الأوضاع العامة ، وكشف قدرات الشق المدني ، التي ثبت حتى الآن أنها قدرات تنظير أكثر من أنها قدرات فعل سياسي إيجابي يمكن أن يقود البلاد إلى أفق جديد ، ويخرج بها من غيابة جب الأزمات .
الفشل الملموس ، والمحسوس ، أصبح حديث النّاس في كل البلاد ، وقد عجز المواطن من ملاحقة الغلاء وارتفاع الأسعار الجنوني ، مثلما عجز ذات المواطن في منع جرائم السلب والنهب في وضح النهار ، وهي في تقديرنا جرائم مرتبطة بالأوضاع العامة ، والعجز عن تلبية الإحتياجات الضرورية لكثير من المواطنين ، رغم المجهودات الجبارة المبذولة من قبل الشرطة .
الجرائم إمتدت إلى أنشطة لم تكن تشكل خطراً على الإقتصاد في سابق الأيام ، مثل التهريب الذي كان في أكثره نشاطاً فردياً ، لكنه أضحى اليوم نشاطاً منظماً ومحمياً للأسف الشديد من قبل بعض الجهات التي كان من المفترض أن تكون حامية للبلاد ، لكن المطامع ، والنهم والشره للمال جعل تنظيمات تدخل في هذا المجال من خلال بوابات الذهب ، مثلما نرى الآن ونسمع ونقرأ ، فلا يجد النّاس إجابة للتساؤلات المشروعة التي تدور في أذهانهم ، عن عصابات المافيا المحمية التي أصبحت تعمل في كل مجال ، وتسعى وراء الاحتكار ، بل وتعمل على تقوية مراكزها الإقتصادية وعينها على المستقبل السياسي ، مع السعي لبناء تحالفات تضمن بقاء هذه العصابات على مسرح السّياسةِ ، ومركز إتخاذ القرار .
حديث الناظر ترك قبل أيام قليلة ودعوته لتفويض الجيش لإدارة البلاد ، حديث لم يأت من فراغ ، فرجل بحنكة وخبرة وتجربة الناظر ترك ، تجعله فوق الشبهات ، ونحن الذين عايشنا أنظمة سياسية مختلفة نكاد نسير على ذات طريق الناظر ترك ، نحن نرى ونعايش الآن ما يمكن أن نسميه بداية إنهيار الدولة السودانية ، ونشوء دولة المليشيات ، التي نسأل الله التي تقوم لها قائمة ، وهذه يمكن منع قيامها بالإسراع في تنفيذ كامل بنود إتفاقية جوبا ، وفي تبني مؤتمر مائدة مستديرة برعاية المؤسسة العسكرية ، والتي هي الضامن الوحيد لوحدة البلاد ، والضامن الوحيد للعبور إلى مرحلة ما بعد الفترة الإنتقالية بقيام الإنتخابات التي تنادي بها بعض القوى السّياسيّة في العلن ، وتعطل قيامها سراً ، بل وتسعى إلى مد الفترة الإنتقالية إلى ما لا نهاية .
نعيش الآن أزمات متلاحقة ومتناسلة ، ونعاني من تدهور مريع في قيمة العملة الوطنية ، وهذا مؤشر خطير ، بينما نرى بعض المليشيات وقادتها يتاجرون في كل شيئ دون أن يكون هناك عائد للمواطن الذي يبدو إن الجميع تناسوا وجوده على الأرض ، والذي لولاه ما كان هناك وطن ، ولا حكومة ولا مصالح فردية لمن يدعون أنهم قيادات سياسية ووطنية تعمل من أجل البلاد والعباد .
بعض أدعياء السّياسةِ والنضال يزعمون إن القوات المسلحة والإستخبارات العسكرية ، تعمل على عرقلة تنفيذ الترتيبات الأمنية ، وتعمل من أجل تفكيك وتفتيت الحركات الموقعة على إتفاقية السلام ، وإنشاء حركات جديدة ، ونحن نعلم والجميع أيضا إن هذه الحركات ظلت تحارب نظام الإنقاذ لعقود ، ولم تحقق ما كانت تسعى له ، إلى أن خرج الشّباب وثاروا ضد النظام ، وهم الشريحة الأقوى ، والأكثر تأثيرا وخرجوا إلى الشوارع حتى لحظة إنحياز الجيش لثورة الشّباب ، وهو الإنحياز الذي حرر شهادة ميلاد لنظام جديد ، ثم جاء أدعياء البطولة والنضال ليعتلوا فرس الثورة الجامح دون قدرة على ترويضه ، ويريدون الآن كل شيئ ، بينما المواطن وكل الثائرين الذين خرجوا على النظام السّابق لا يريدون إلّا الأمن وتوفير لقمة العيش الكريمة وتوفير الخدمات .
المواطن وكل الثائرين لايريدون هذه ( الجوطة ) يريدون جيشاً واحداً يحمي هذا الوطن ويصونه ، وقد شهدنا خلال الأشهر القليلة الماضية كيف استردت القوات الخاصة السُّودانيّة ما أوشك أن يصبح ماضياً حزيناً على حدودنا الشرقية ، هذا الشعب الأبي الكريم لا يريد إلّا جيشاً واحداً يعبر عنه لا عن أجندة خاصة .