عثمان ميرغني يكتب: مرتب وزير المالية..
الخرطوم/ الرائد نت
في برنامج “مؤتمر اذاعي” أمس الجمعة بإذاعة أم درمان قال وزير المالية د. جبريل إبراهيم أنه في العام 1977 كان طالباً بجامعة الخرطوم فأغلقت الجامعة أبوابها لبعض الوقت فاضطر للبحث عن عمل خلال العطلة التي استمرت لشهرين.. فوجد وظيفة معلم في إحدى المدارس وكان راتبه 29 جنيهاً فقط.. بيت القصيد في قصة السيد الوزير أنه كان يدفع نصيبه في بيت الإيجار والطعام وكل تكاليف معيشته حتى غسيل الملابس بتكلفة 4 جنيهات فقط.. بعبارة أخرى من مرتبه (في وظيفة معلم بالمدارس) كان يوفر ما يعادل 87%!! وهو لم يتخرج بعد من الجامعة!
الآن وبعد 45 سنة بالتمام والكمال، أي في العام 2022 وحسب ما قاله الوزير شخصياً في البرنامج ذاته، أن مرتب الموظف لا يكفيه إلا مصروفات ثلاثة أيام فقط.. وللحقيقة والدقة لم يقل (الموظف المحظوظ).. الذي ربما لا يدفع إيجاراً ولا يركب مواصلات ولا يمرض وليس له بنات أو أبناء في مراحل التعليم..
السيد وزير المالية قال أن الحكومة تأخذ من المواطن باليمين لتنفقه عليه باليسار.. لذلك ولمعاجلة ارتفاع فاتورة الكهرباء بالنسبة لصغار المزارعي فإن الحكومة قررت أن تخفض الكهرباء لصغار المزارعين بشرط أن يدفعها كبار المزارعين!
واستمر الوزير يسرد مرافعة طويلة لتبرير رفع أسعار الكهرباء كلها مبنية على حجة واحدة لا تتغير.. أن تكلفة انتاج الكهرباء للمتر الواحد 57 جنيهاً بينما كان المواطن يدفع 0.87 جنيهاً أي أقل من جنيه واحد.. ومثل هذا الوضع سيفضي لتوقف إنتاج وتوزيع الكهرباء فلا يجدها المواطن ولو اقتنع بدفع قيمة أعلى..
إستمعت لمرافعة الوزير بمنتهى الأسى.. ليس لأن الوزير يقدم حيثيات فشل اقتصادي وخيم فحسب بل لأن المشكلة هنا في أساس المفاهيم التي يبني عليها وزير المالية سياسته.. وعندما يكون أساس البيت معتلاً فلا فائدة من البناء فوقه..
أولاً : في قطاع الكهرباء لا يجب على الحكومة أن تعتد بحساب التكلفة ولا سعر المتر الذي تحاسب به المواطن.. هذا خلل جسيم يجعل الطاقة الكهربائية في عُرف الحكومة مجرد “سلعة” تباع بحساب تكلفة إنتاجها مقارنة مع سعر البيع..
الطاقة الكهربائية يا سادتي هي مجرد أداة للنشاط الاقتصادي والإنساني تحسب بالعائد من استخدامها لا من استهلاكها..
مثلاً في قطاع الزراعة.. تكون مصيبة لو حسب الوزير ما تستهلكه الزراعة من ميقاوات واعتبرها “تكلفة” واجبة السداد بفاتورة عداد الكهرباء.. لا.. هنا العائد على الدولة هو من الناتج من النشاط الزراعي والذي بالضرورة أعلى كثيراً من العائد نقداً من فاتورة عداد الكهرباء.
لا يتوقف هذا المبدأ على الكهرباء.. بل كثير من عمليات الإنتاج الأخرى يجب أن تحسب بالمفهوم ذاته.. العائد من استخدام لا استهلاك الكهرباء..
حتى في الشؤون الإنسانية المتصلة بالقطاع السكني والخدمي.. يظل المبدأ أكثر رسوخاً.. فالعائد من الإنفاق على الإنسان مباشرة هو أقيم ما يمكن لأية دولة أن تحصل عليه.. لأن الإنسان أغلى أصول الدولة..
سأعود لبقية “مؤتمر إذاعي” وزير المالية مرة أخرى..