تعرف على شروط المضاربة المشروعة : الشيخ د.عبدالحي يوسف
الخرطوم الرائد نت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فشركة المضاربة لا تكون مشروعة إلا إذا كان الربح على الشيوع؛ بمعنى أن يكون بنسبة كذا من الأرباح، أما لو اشترط رب المال على العامل مبلغاً معيناً – كما هو وارد في سؤالك – فإنه يكون ربا؛ إذ لا يستطيع العامل أن يجزم هل يربح المال أو لا؟ وعليه فإن الواجب تصحيح هذه المعاملة بأن تعاد صياغتها بما يضمن خلوها من الربا، وذلك بأن يكون نصيب ربُّ المال مشاعاً؛ كثلث وربع ونحوه ليشترك العامل ورب المال في المغنم والمغرم؛ إذ المضاربة الشرعية لا تكون صحيحة إلا بشروط، وهي:
- أن يكون رأس المال معلوم المقدار
- أن يكون من النقود (أي أوراق العملة) لا أن يكون سلعة؛ إذ السلعة تختلف قيمتها؛ فقد تكون حين العقد بألف مثلاً؛ وحين التصفية بألفين
- أن يكون نصيب العامل جزءً مشاعاً من الربح، بمعنى: أن يُجعل للعامل من الربح الثلث، الربع، النصف، ونحو ذلك مما يتفقان عليه، فإن جعلت له شيئاً معلوماً بأن قلت: خذ هذا المال اتجر به ولك مائة جنيه أو خمسين مثلاً ـ كما هو وارد في السؤال ـ فإن هذا لا يصلح؛ وذلك لأنه قد لا يربح شيئاً، وقد يربح أكثر من مائة جنيه بكثير، فلابد أن يكون سهمه جزءً مشاعاً. قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة وممن حفظنا ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي … وإنما لم يصح ذلك لمعنيين: أحدهما أنه إذا شرط دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها, فيحصل على جميع الربح واحتمل أن لا يربحها فيأخذ من رأس المال جزءً، وقد يربح كثيراً فيستضر من شرطت له الدراهم، والثاني أن حصة العامل ينبغي أن تكون معلومة بالأجزاء لما تعذر كونها معلومة بالقدر, فإذا جهلت الأجزاء فسدت كما لو جهل القدر فيما يشترط أن يكون معلوماً به؛ ولأن العامل متى شرط لنفسه دراهم معلومة, ربما توانى في طلب الربح لعدم فائدته فيه وحصول نفعه لغيره بخلاف ما إذا كان له جزء من الربح.ا.هــ المغني 5/28.
- أن يكون الجزء المشاع معلوماً، فلا يصح أن تقول: خذ هذا المال اتجر به ولك بعض ربحه، بل لابد أن تقول: ولك نصف الربح، ثلثه، ربعه، ثمنه، وهكذا
ثم إنه لو حصلت خسارة فإنه تكون على رأس المال، وليس على العامل شيء، فلو أعطاه مائة ألف لمضاربةٍ ثم خسرت حتى عادت تسعين ألفاً؛ فإنه لا يجوز لرب المال أن يحمِّل العامل شيئاً؛ وذلك لأن الخسارة تكون على رأس المال وليس على العامل منها شيء؛ وكلاهما يتحمل جزء من الغرم؛ فيخسر رب المال ماله، ويخسر العامل جهده
والمتأمل في المعاملة المذكورة يجد أنها ـ في حقيقتها ـ قرض ربوي ليس إلا!! إذ السائل قد اشترط على الآخر مبلغ خمسمائة في كل شهر مع ثبات رأس المال وضمانه متى ما طلبه!! فواقع الأمر أنه أقرضه ذلك المال على أن يدفع عليه فوائد ثابتة بنسبة 2.5% شهرياً؛ فهم ـ وإن سموها شركة ـ إلا أنها سلف؛ لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا، قال ابن القيم رحمه الله تعالى ـ كما في زاد المعاد 5/813: قواعد الفقه وأصوله تشهد أن المرعي في العقود حقائقها ومعانيها لا صورها وألفاظها.ا.هــ ومطلوب من الجميع التوبة إلى الله تعالى؛ لأن الربا من الذنوب الكبائر، وتحريمه لا يخفى على مسلم؛ قال تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} وفي الصحيح «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء» رواه مسلم.