زهير السراج يكتب.. مهزلة محاكمة الجنود !
متابعات /شبكة الرائد الإخبارية
شاهدتُ التسجيل الكامل للجلسة التي عرضت فيها قضية الاتهام في محكمة الشهيد (محجوب التاج)، ممثلة في افادات المتحريين، رجلي الشرطة والأمن، بالإضافة للعرض الكامل للفيديو المقدم من المتحري والمعامل الجنائية”.
تثبت الوقائع المعروضة جرأة جهاز الأمن في القتل بدم بارد، فبعد قتل الشخص يحملون الجثمان الى مستشفى جهاز الأمن (الأمل) والتبليغ على انها واقعة وفاة في ظروف غامضة، وهذا بالفعل ما حدث في مقتل الشهيد محجوب التاج”!
أبلغ جهاز الأمن الشرطة بأنهم قد وجدوه ( واقع على الارض جوار جامعة الرازي من الناحية الغربية)، لكن المفارقة في هذه القضية فجرها وكيل النيابة (احمد عمر عوض مصطفى) الذي ذهب لمعاينة مكان الحادث فانتبه الى أن هناك كاميرا مثبتة على البنك الزراعي بالقرب من موقع الحادث، وسعى بمهنية عالية للحصول على محتويات الكاميرا، حتى حصل عليها من مسؤول الإدارة الالكترونية للبنك، وكانت النتيجة أن تحولت مسار القضية الى الاشتباه بالمبلغين أنفسهم، لأن أقوالهم تعارضت مع ما رصدته الكاميرا التي أوضحت أن الشهيد تم ضربه عند الساعة 10:55، وأفاد الطبيب انه أجرى رسم قلب الساعة 11:45 وكان الشهيد قد فارق الحياة، بينما ذكر أفراد جهاز الأمن انهم وجدوه ملقىّ على الارض عند الساعة العاشرة وحملوه لمستشفى الأمل، وبذلك تعارضت أقوالهم مع ما التقطته الكاميرا التي أوضحت انهم حملوا الشهيد من موقع الجريمة مباشرة بعد ضربه وسقوطه على الارض، وتحولوا بالتالي من مبلغين الى متهمين”.
لقد عكست الكاميرا هجوماً منظماً لأكثر من خمس سيارات دفع رباعي على ظهرها ما لا يقل عن خمسين شخص مدججين بالأسلحة والهراوات، وقد احاطوا بطلاب لم يظهر منهم أي شكل من اشكال المقاومة، وأوسعوهم ضرباً، وبعد أن سقط الشهيد (محجوب التاج) على الأرض كان الضرب مستمراً بطريقة قُصد منها القضاء عليه، وبالفعل أشار الطبيب انه وصل الى المستشفى وكان نبضه متوقفاً”.
لا بد من الاشارة الى أن ما رشح من شهادات أصدقاء وزملاء محجوب بأنه قتل وهو يدافع عنهم، أكدته الكاميرا التي عكست بسالة هذا الشاب اليافع وهو يقف بهدوء ويتحرك بثبات، بينما كان الكل يحاول الفرار لحظة هجوم هذه القوات”.
لا أريد التعليق على وقائع القضية بأكثر من وصف الوقائع الثابتة حفاظاً على حق المتهمين، لكن لا بد من الحديث عن قصور عمل النيابة المتمثل في مطاردة الجنود فقط وترك القادة، على الرغم من أن القانون الجنائي ينص على أن الهجوم واسع النطاق من القوات النظامية الذي يسفر عن القتل يمثل جريمة ضد الانسانية، ولكن للأسف سارت النيابة في نفس المسار الخاطئ الذي اتخذته في ملاحقة جنود قوات الدعم السريع في مجزرة الابيض مع ترك قادة هذه القوات دون مساءلة”.
هذا الهجوم الذي حوصر فيه الطلاب يمثل بكل المقاييس هجوماً منظماً ضمن مفهوم الجرائم ضد الانسانية الوارد في المادة (186) من القانون الجنائي السوداني، وكان على وكيل النيابة أن يتحرى عن الواقعة على هذا الأساس وتوجيه الاسئلة لقيادة الجهاز فإما أن يقدموا المعلومات كاملة أو يطالهم الاتهام، كما من مصلحة الذين مثلوا أمام المحكمة أن يكشفوا عن الحقيقة كاملة وتوضيح أسماء وهويات كل من ظهر في نطاق الكاميرا، حتى تأخذ العدالة مجراها بتحديد من قاموا بالضرب الذي أفضى الى القتل والآخرين الذين ساهموا في الهجوم ومن لم يكن لهم دور مباشر في تسبيب الموت، وبالتالي يُعاقب كل من ساهم في هذا الهجوم بقدر ما يستحق وفق مستوى الاشتراك الجنائي، ولا تزال امام النيابة الفرصة للاستفادة من هذا التسجيل الذي يجعل من مصلحة المتهمين التعاون لكشف كل أفراد القوة وشرح وقائع الفيديو كاملة حتى لا يتحملوا وحدهم مسؤولية كل أفعال المجموعة!
في هذه القضية والقضايا الشبيهة يجب أن يصدر أمر بالتحري عن قيادة هذه القوات وتقديمهم للمحاكمة، وتعميم منشور جنائي لوكلاء النيابة بالتحري في الوقائع التي تشكل جرائم ضد الانسانية وتوجيه الاتهام للقادة، والكف عن مهزلة ملاحقة الجنود وحدهم، فهذا الأسلوب الشامل هو الذي يضمن تحسين سلوك هذه الأجهزة حينما يدرك قادتها أنهم مسؤولون ومساءلون عن أفعال مرؤوسيهم” (انتهى).
كان ذلك ما سطره يراع الاستاذ (علي عجب المحامي)، فمتى تنتهي مهزلة ملاحقة الجنود وتقديمهم للمحاكمة وتحميلهم مغبة الجرم وحدهم، وترك القادة الذين أعطوا التعليمات والأوامر يهربون بجرائهم ؟!