بشارة جمعة أرور يكتب: فرز المواقف

متابعات/ الرائد نت

دلالات وقائع الزيارات

شهدت الفترة الانتقالية إفراط البعض في إتهام الآخرين جزافاً دون أي سبب أو دليل، والتاريخ والواقع يشهدان بأن مفردات اللغة كثيراً ما تستخدم خلافاً لمدلولاتها الموضوعية بل عكسها تماماً خاصة عندما يغيب المنطق السليم في مواجهة القضايا السياسية على وجه الخصوص ويستعاض عنه بالأسلوب الدعائي الذي ينحو لتزكية الذات وأبلسة الآخر وهذا ما يحدث اليوم في السودان.
فالذين يسرفون في تسمية تنظيماتهم وأحزابهم بالديمقراطية أو يسعون إلى تحقيق التحول الديمقراطي يسيرون عكس الاتجاهات التي يأشرون إليها لذلك نجد أن القوى الحديثة أحسن حالاً من الذين يتشدقون بشعارات الديمقراطية قولاً ويتخاذلون فعلاً وهم يسرفون في الحديث عن الحرية،السلام والعدالة، فهذه النماذج المتطرفة بعض الشيء، تدل بوضوح على أن إستخدام الألفاظ سواء تزكية للذات أو إتهاماً للآخر، هو في كثير من الأحيان محاولة غير موفقة للتغطية على خليقة غير محمودة وفي أحيان أخرى أسلوب لصرف الأنظار عن القضايا الحقيقية التي لا يرد لها أن تعالج بالنقاش الموضوعي لعوز المنطق والحجة.
وهذا في تقديرنا هو مبعث الإتهامات الجزافية على الآخرين ولا يستطيع مثيرو هذه الإتهامات تقديم أي دليل سِوى نشر الشائعات والأخبار الزائفة، بل أنهم أكثر من يبوء بها لو محصت الأمور حقيقةً.
والتعصب بسم الوطن أو الجهات في الشأن العام إذا كان ميسوراً لأي أحد أنّ يكيل التهم كيفما إتفق مع أهواءهم، فإن السبيل للوقوف على الحقيقة هو تحديد وفرز المواقف حول قضايا الخلاف الموضوعية، فما هي هذه القضايا وما هي مواقف القوم منها وما علاقة ذلك بالمرحلة ؟! في تقديرنا وكما أوضحت لنا تطورات الأمور أخيراً، أن قضايا الخلاف بيننا والماسكين بأزمة الأمور تشمل أغلب المسائل الجوهرية مثل مفهوم العدالة الانتقالية والعدالة في السلطة والثروة، الحكم الاتحادي،السلام والوفاق وقصايا التحول الديمقراطي.
واختلاف الرؤى والتقديرات حول القضايا أمر طبيعي وليس إشكالاً في حد ذاته، إذا أتيح للحوار أن يحسم الأمور بشفافية.
ولكن ما الحيلة عندما تتخذ قرارات هامة ومصيرية في شأن التحولات الكبيرة في البلاد خارج الإطار الداخلي للوطن وتصبح هذه الجهات المتوهمة بأنها المفوضة ويحق لها فقط قيادة الشعب وإدارة المرحلة؟! وهي حقيقةً مجرد واجهات للإخراج، ودوائر لتزوير إرادة الشعب ثم التدوير الآخرين عبرهم.
ثم ما الحيلة عندما يصبح الرأي المخالف سبباً للإستهداف وتدبير المؤامرات وتنظيم الحملات العدائية بواسطة عناصر المطابخ المظلمة التي أصبحت سماتها السائدة، قصر النظر وضيق الأفق ؟!
إن كثيراً من القرارات المهمة في هذه المرحلة ظلت تتخذ في دوائر مغلقة لا يعلمها الكثيرون من الساسة المتوهمون بتسيد المشهد ناهيك عن أي ناشط متنطع طائش ومغرور وكل مضلل للرأي العام، ومع ذلك تضيق صدورهم بالرأي الآخر وإن كان واقي تحميهم من المنعطفات والانزلاقات…،فليعلم القوم أنّ ليس هنالك إحن شخصية، بل إستقامة على موقف من مقاصد التصحيح واحترام الرأي والرأي الآخر في إطار الشفافية والوضوح والتسامح وهي مقومات ضرورية إفتقدناها في الممارسة الحقيقة لمفهوم السياسة وحرية الرأي والتعبير، حتى لا نترك مجالاً للضبابية حول الموقف الموضوعي من القضايا المثارة.
ومن مظاهر تغييب الرأي الآخر أو إبعده، هي عملية التكويش التي إختفت معها إعتبارات التوازن القومي، وقد أباح القوم لأنفسهم ما عابوه على الذين من قبلهم. وأرجو ألا يقترف أحد خطيئة الكذب بإنكار ذلك فالله يعلم ونحن وهم يعلمون.
وإجمالاً نقول إن تغييب إرادة الغالبية، وترك الأمور الأساسية للقلة المتحكمة، وأساليبهم الملتوية مثال لذلك الحشد الإستعراضي عند توقيع الإتفاق الإطاري وإن بدأ البعض فرحاً بالنتائج البئيسة لذلك الحشد والتأييدات الأجنبية والمساندة والدعم الخارجي غداة إنفضاض سامره، وبالإنتصار المزعوم، فها هو الإتفاق قد مات دون أن يبكيه السُمّار وصاحب الحمار، و فرز المواقف، عجل بتجلي الدلالات وتلاشي وقائع الإحتشاد الأخير وتبعثرت الاجواء في غياب أصحاب الشأن والمصلحة لحضور الورش. سؤال للذين يقيمون الورش ومن يضللون الشعب لماذا تصرون على تلوين الحقائق ؟!
لا داعي للمكابرة ودونكم توقف التفاهمات المزعومة والمشاورات المفضوحة وإنفضاض الوساطة…، والزيارات الماكوكية براً وجواً خير دليل.
بعيداً عن كل ذلك نعود ونؤكد أن الشفافية هي أهم مغازي هذه الفترة وإن كان القوم لا يطيقونها. وإذا أعرضوا عن هذه الدعوة، فما أغنانا عن الهم إذا الهم إستغنى.

التعليقات مغلقة.