بشارة جمعة أرور يكتب: فقأ عين الشيطان لإنجاز الإتفاق النهائي

متابعات/ الرائد نت

المطلوب في هذه المرحلة الإجتهاد الواعي

إنجاز الإتفاق النهائي وما أدراك ما الإتفاق النهائي ؟! شأنه عظيم والطريق إليه مازال طويلاً وشاقاً بتفاصيله المعقدة، والشيطان يقف على أبواب الأطراف والفرقاء السياسيين…، لذلك لا بد من فقأ عين الشيطان بإزالة القلق والتوترات وترويض الدوافع المتصارعة بين كل الأطراف السياسية وحتى لا يدخل الشيطان لاحقاً في التفاصيل فيرتدوا إلى الوراء…
والحق حق لا فرق إن جاءه الناس بقلائد الإحسان أو سِيقوا إليه بسلاسل الإمتحان، والصواب صواب أياً كان فاعله أو قائله وبغض النظر عن الإعتبارات التي دفعت إليه، يدخل في ذلك حتى قول فرعون بعد أن داهمه اليم “قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل”.
والصواب ليس بالضرورة حق مطلق إذ للمعطيات الظرفية منطقها الذي يجعل حتى المحظور الصريح واجباً أحياناً.
وعليه لا سبيل لبلوغ الإتفاق النهائي والتوافق الوطني بين الأطراف السياسية في السودان إلا بتنازلات هنا وهناك، وإلا سيكون البديل أن ينتصر أحد الأطراف إنتصاراً حاسماً يلغي به إرادة الأطراف الأخرى وهذا ما أثبتت الأيام إستحالته بوضوح ولا جدال في ذلك، فضلاً عن أن مثل هذا الحسم لا يؤدي إلى سلام ولا يحقق إستمرار.
ومعلوم أن من يُهزم في ميدان المعركة سيعود إلى القتال متى ما سنحت الفرصة، أما من يقتنع سياسياً على منضدة الحوار والتفاوض فلن يعود إلى الصراع أو الإقتتال غالباً.
ولأن مآسي صراعات تدمير الذات ما لها أن تستمر أبد الدهر، وجب على السودانيين الوصول للتوافق لكونه خطوة الإختراق الأهم في الجدار الفولاذي للأزمة الوطنية التي ظلت عصية على الحل رغم تعاقب الأنظمة وتعدد المبادرات.
ومهما كانت العيوب الخُلقية التي يعاني منها الإتفاق الإطاري، فمن المحرج حقاً أن ترفض أطرافها المبادرة المصرية كخطوة من المحتمل أن تحقق إنفراجاً ولو جزئياً في واقع كارثي كالذي تعانيه السودان في أبعاده الإنسانية، الأمنية، الاقتصادية والسياسية.
وبأي معيار قسنا الأمور فالظروف التي أناخت على بلادنا وبالنظر إلى ضغوط الواقع المأساوي على الأرض التي يمكن للمرء تخيل حجمها، فليس سهلاً لوم الموقعين فضلاً عن إدانتهم بالإستسلام، وفي المقابل فإن بؤس الإتفاق وتنكره لكل المطالب العادلة تقريباً،و دور الأخرين في الشأن العام لا يتيح مجالاً للوم الممتنعين عن التوقيع أو قبول الإتفاق ناهيك عن إتهامهم بخدمة أجندة خاصة.
وليس المطلوب فيما نرى إتهام هذا الطرف بالإستسلام وذاك الطرف بالتطرف وإنما المطلوب في هذه المرحلة الإجتهاد الواعي في التعامل مع الكبوة السياسية التي حدثت للسودان.
ولا يكون التعامل الواعي مع هذه الكبوة بغير إستخلاص العبر والدروس من مجمل ما جرى وإستيعاب دلالاته والإسترشاد بذلك في التعاطي مع الواقع الذي أفرزه الإتفاق من ناحية، ولرسم خارطة الطريق لعمل المستقبل لتحقيق الأهداف العادلة التي ينبغي أن لا تسقط من ناحية أخرى.
ونحسب أن نقطة الإنطلاق لإستخلاص العبر والدروس مما حدث والإحاطة بدلالاته هي المعرفة الدقيقة للعوامل الأساسية التي ساهمت في إخراج الإتفاق على ذلك النحو والدوافع الحقيقية لللاعبين الأساسيين في ساحة الأزمة برمتها ولئن بدأ ظاهراً أنّ الجهات المسهلة والوساطة اللتان أسدتا الطعنة النجلاء…ومن نافلة القول أنّ الجهات التي تدعي التسهيل أو التوسط كسيحة ولا تتحرك بمنأى عن تأثير الجهات التي تتحكم لأكثر من سبب في مواقف الدول التي تشكله.
إن السودان الذي أنجب أبطالاً أصبحوا بنضالهم العنيد رموزاً شامخة للثبات على المبدأ، قد ابتلي أيضاً بقيادات مهزوزة ليست أكثر من دمى تحركها أيدي الدول الكبرى والأدهى من ذلك،والبلاء الأسوأ وأعظم أن تتدخّل في شؤون بلادنا دويلات…
وختاماً فإن الوصول إلى الإتفاق النهائي عبر التوافق الوطني ضرورة وطنية تمليها الظروف الموضوعية لوضع حد للإضطرابات…. ويفتح باباً للأمل في تحقيق الأمن والاستقرار وحفظ الوحدة الوطنية وهي غاية سامية، وعشاق الوطن أمام المحك الصعب والأمر لا يحتمل المزايدة من أي نوع مهما كانت، في ظل تذبذبات الأوضاع الإقليمية والدولية.
ويبقى الصواب صواباً أياً كان قائله أو فاعله بغض النظر عن الإعتبارات التي أدت إليه.

آن الأوان أن تُنسى مرارات الماضي لنتجاوز عقبات الحاضر أستشرافاً لمستقبل أفضل نرسمه بالتوافق ونحققه بالتراضي والتعاون.

التعليقات مغلقة.