عثمان ميرغني يكتب: مطار مدني الدولي..
متابعات/ الرائد نت
بدعوة من “اتحاد المصدرين والمستوردين العرب” – وسأعود للحديث عنه تفصيلاً- إلتقينا أمس بكوكبة من الشخصيات المهمة.. و من بينهم محافظ مشروع الجزيرة البروفيسور عمر مرزوق و والي ولاية الجزيرة المكلف الأستاذ إسماعيل عوض الله الذي كان متحمساً لبرامج نهضة في الولاية و ذكر من بينها مطاراً دولياً ..
قلت للسيد الوالي أن مشروعات المطارات عموماً هي من صميم اختصاص سلطة الطيران المدني، وهو شأن اتحادي.. وفي كل الأحوال إذا توفر التمويل اللازم لإنشاء مطار دولي بمدني فإن أية دراسة جدوى ستوضح أن مشروعات للسكك الحديد، خاصة في الجانب الشرقي من النيل الأزرق أجدى كثيراً لولاية الجزيرة من المطار الدولي الذي لن تستفيد منه قطاعات شمال الجزيرة لقربها من الخرطوم..
وعلى كل حال، الموضوع هنا ليس عن مطار مدني الدولي.. بل عن قضية في غاية الأهمية ظللت أكتب عنها هنا مراراً وتكراراً.. وهي حتمية فصل عقلية التنفيذ من عقلية التخطيط..
كثير من المشروعات التي تنفذها ولايات السودان المختلفة بما فيها ولاية الخرطوم، تنشأ من “بنات أفكار الوالي”.. يطلب الوالي مثلاً تشييد سوق – مثل سوق شرق النيل أو شمال الثورة بأم درمان- فلا يكون أمام أجهزة الولاية سوى تنفيذ رغبة الوالي باعتباره سنام الجهاز التنفيذي في الولاية.. وبعد أن يكتمل المشروع تبدأ عيوبه الكبرى في الظهور وغالباً يتوقف العمل فيه بعد حفل الافتتاح مباشرة.. في إحدى زياراتي لولاية القضارف شاهدت مسلخاً ضخماً حديثاً معطلاً.. قيل لي أنه لم يعمل ولا ليوم واحد منذ افتتاحه.. وفي ضاحية الشجرة بالخرطوم مصنع ضخم للبتروكماويات شيد منذ عهد الرئيس جعفر نميري ولم يعمل ولا ليوم واحد.. أموال ضائعة من خزينة تعاني الفقر المدقع..
وفي مدينة مروي مطار دولي ( مثل مطار مدني الدولي المقترح) لكن بلا طائرات..
والأمثلة كثيرة..
كتبت هنا كثيراً أطالب بفصل أجهزة التخطيط من التنفيذ.. لا يجب على الحكومة الاتحادية ولا الحكومات الولائية مطلقاً اقتراح الخطط طويلة المدى.. ينحصر عمل الأجهزة التنفيذية فقط في الخطط التنفيذية Action Plan ..
والفكرة أن يتولى المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي وضع الخطط والمشروعات متوسطة و طويلة المدى.. على أن تنحصر مهمة الجهاز التنفيذي في تنفيذ هذه الخطط دون أي تدخل في تصميمها..
عقلية التخطيط تختلف عن عقلية التنفيذ.. فالمخططون يجب أن يكونوا في أبعد مكان عن أزمات الواقع ومعضلاته الراهنة.. فالتخطيط بالآمال.. لا الآلام..
وعقلية التنفيذ دائماً تحت ضغط الواقع ولا تستطيع أن تطلق عنان الخيال لأنها تلعب في ملعب “خماسيات” ضيق.. بينما خيال المخططين أشبه بقصيدة شاعرنا المبدع صديق مدثر التي تغنى بها الفنان الكبير الكابلي (خيال الشعر يرتاد الثريا..) عقلية التخطيط ترتاد الثريا .. وعقلية التنفيذ تعافر الثرى..
سأعود لموضوع اتحاد المصدرين والمستوردين العرب..
التعليقات مغلقة.