عثمان ميرغني يكتب: دولة “البركاوي”.

متابعات/ الرائد نت

الرئيس المخلوع كانت قمة متعته الرئاسية عندما يصعد للمنابر الجماهيرية و يصيح بأعلى صوته “أمريكا تحت جزمتي” و يسمع صدى الهتاف.. فيزيد القائمة (وبريطانيا تحت جزمتي).. وعندما تنتهي قائمة الدولة التي ينعم عليها بحذائه، يعيد الكَرة هذه المرة بأسماء الرؤوساء.. (أوباما تحت جزمتي).. ومع كل كلمة “جزمتي” يمسح الأرض بحذائه بقوة ليشرح المعنى.. وتنشق الحناجز بالهتاف ..حتى تنتهي حلقة “أدب الجِزم”.
بعد فترة تمزقت “الجزمة” من كثرة الفرك على الأرض وفقدت رنينها الجماهيري فأبرع المخلوع في ابتكار تعبير جديد، كان يتحدث عن سفيرة بريطانية سابقة قال أنها في لقاء الوداع قبل انهاء مهمتها في السودان تفوهت أمامه بما لا يُرضِي “وطنيته” الفارهة.. فكان رد فعله (صَرفت ليها بركاوي صاح)!!.. ومن يومها أضيف إلى أدب الخطابة الرئاسية مصطلح “البركاوي”!
الآن يبدو أن البروفسير فولكر بيرتس ممثل الأمين العام للامم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة في الانتقال بالسودان “يونتامس” يمر بمرحلة “بركاوي” رئاسي على مراحل..
في خطاب الفريق أول البرهان رئيس مجلس السيادة شهر أبريل الماضي هدد بطرد فولكر وانهاء مهام البعثة الأممية السياسية، على ذمة اتهامه لها بتجاوز تفويضها حسب مارود في احاطة فولكر الدورية أمام مجلس الأمن في مارس 2022 الماضي.. والطرد طبعا هو نوع من “البركاوي المعتق”..
في تقديري؛ هناك جاذبية “جماهيرية” خاصة من “بركاوي” البعثات الأجنبية خاصة التي يكون ممثلها أوروبيا أو أمريكيا، جاذبية أشبه بالصورة التي ظهر بها الرئيس اليوغندي الأسبق عيدي أمين في مؤتمر قمة أفريقي عندما فاجأ الجميع ودخل إلى القاعة محمولا على أعناق أربعة من الرجال البيض.. وعلى وجهه ابتسامة النصر كبيرة.
بحثت كثيرا وتقصيت في الأسباب التي تصلح حيثيات اتهام للبعثة الأممية أنها فارقت تفويضها ووطأت بالحذاءعلى السيادة الوطنية للسودان، تحدثت إلى كثيرين يؤيدون وجهة نظر الحكومة لكني خلصت إلى أن المسألة لا تعدو جاذبية ” صرف البركاوي” الجماهيرية.. لدرجة يخيل إلىّ أن السودان يستقدم البعثات الأجنبية ليستمتع بمذاق “بركاوي” طردها.. أو زجرها على أقل تقدير.
وبصراحة؛ كل هذا سببه غياب فهم “السياسة الخارجية”، سادتنا وساستنا ينظرون إلى الخارج إما بمنظار الجمعية الخيرية التي وُجدت لتقدم المنح والهبات والقروض “التي لا تسدد” وربما الدعوات لزيارات خارجية مترفة وثيرة .. أو بمنظار العدو المتربص الذي لا يحط أقدامه في مطار الخرطوم الا لانجاز مؤامرة ضد السودان أو سرقة موارده أو سيادته..
السودان عضو في منظمة الأمم المتحدة، وقبل ذلك جزء من سكان الكرة الأرضية مطالب بالاسهام في بقاء وبناء الحضارة البشرية بما يملك من موارد، فإذا ترك الأرض بورا تجري من تحتها الأنهار، دون أن يستغلها، في وقت يواجه فيه العالم أزمة غذاء كبرى تطرق الأبواب بشدة، فإن العالم سيتصرف بالطريقة ذاتها التي تتصرف بها مصلحة الأراضي بالسودان عندما تمنح شخصا قطعة أرض لاستثمارها وتمر السنوات دون أن يستغلها، فيصدر أمر بنزع القطعة.
السودان محاط بدول ذات كثافة سكانية عالية مع أراضي شحيحة، مصر تتحمل ايواء 120 مليون ، واثيوبيا مثلها، و الدولتان تعانيان من ضيق الأراضي..
إذا لم نتحرك، سيصدر أمر أممي بنزع الأرض البور من السودان لصالح الشعوب المنتجة.. حينها سنأكل نحن “البركاوي” الأممي.. وعندها سنبكي كالنساء على وطن لم نحافظ عليه كالرجال..

التعليقات مغلقة.