خارج السياق |مديحة عبدالله تكتب: الباعة المتجولين ..

متابعات/الرائد نت

شهدت منطقة موقف جاكسون وسط الخرطوم أحداث مؤلمة بسبب محاولات الشرطة (تنظيم) المنطقة حسب ما ورد في بيان صادر منها حيث احتج الباعة على إجراءات قامت بها السلطات دفاعًا عن حق العمل في تلك المنطقة التي باتت تشكل وجودًا دائمًا لمن يعملون في القطاع غير المنظم، ودرجت السلطة منذ العهد البائد على مهاجمة هؤلاء المواطنين وفرض إجراءات قسرية حيالهم بدعوى تنظيم الأسواق، وبشكل عنيف يهدد سلامتهم وممتلكاتهم التي يعتمدون عليها لكسب عيشهم، وجاء في بيان الشرطة أن الباعة قاموا بإغلاق الطرق المؤدية من وإلى جاكسون ورشق المارة بالحجارة وإشهار الأسلحة البيضاء، وذكرت أن كل من يتعدى على الطريق العام والممتلكات يعرض نفسه للمساءلة القانونية.
في حقيقة الأمر فإن المساءلة والعقاب واجبة في حق السلطة الغاشمة التي تتناسى واجباتها حيال المواطنين وتريد معاقبتهم لمجرد أنهم (يكافحون) في ظل ظروف قاسية من أجل لقمة العيش، فهي تتجاهل عمدًا الخوض في الأسباب التي دفعت بهؤلاء المواطنين للعمل كباعة متجولين وسط الخرطوم، فهم قوة عمل لم تجد مجالًا في الزراعة ولا الصناعة، وبينهم أطفال حُرموا من مقاعد الدراسة، ونساء عائلات أسر، وأصحاب احتياجات خاصة فقدوا الدعم الاجتماعي ولم يعد أمامهم سوى عرض بضائعهم في قارعة الطريق من أجل أن يتحصلوا على ما يوفر لهم البسيط من الاحتياجات.
المشهد في وسط الخرطوم في حقيقته يجسد الظلم الاجتماعي، وحالنا (المايل) والثمن الباهظ للحروب التي تكاد لا تتوقف في البلد، وانتهاك حق العمل والتعليم والضمان الاجتماعي والعيش في بيئة نظيفة غير ملوثة، فهؤلاء الباعة يعملون وسط (بحيرة آسنة) من مياه الصرف الصحي، ولا أتوقع أن تملك السلطة الجرأة لإدانتهم على تلك الجريمة البيئية وتكاد تلك المنطقة تمثل للذين يعملون بها المجال الوحيد أمامهم لاستمرار الحياة لهم ولأسرهم، والدخول للسوق والعمل به والتنافس واكتساب مهارات تمكنهم من الانتقال للعمل في الأسواق (المنظمة) ونيل القليل من نعيم الحراك الاجتماعي الذي تتمتع بمزاياه القلة المحتكرة للثروات.
ما يحدث من مواجهات بين الباعة والسلطات ليس له علاقة برفض تنظيم الأسواق كما تحاول الشرطة أن تختزل الموضوع، بل له علاقة مباشرة بقضية الحقوق المدنية، قضية السلام بكل أبعادها السياسية والاقتصادية، وحان الوقت لتكون في قمة أولويات عمل معارضة الانقلاب البغيض.

نقلا عن صحيفة الميدان

التعليقات مغلقة.