د. مزمل أبو القاسم يكتب…أكذب من حمـ.ـيدتي !

متابعات/الرائد نت

يعتبر الكذب عاراً يجلل صاحبه في كل الثقافات والمجتمعات، قديمها وحديثها، ولم يكن العرب استثناءً في بُغض الكذب، وذم الكذابين، لذلك تفننوا في إطلاق الأمثال التي تحقِّرهم، وشبهوا السراب بالكذب، وقالوا (أكذب من اليهير)، أي السراب، وذمُّوا البرق الخُلَّب الذي يلمع ولا يصحبه مطر، وقالوا (أكذب من يلمع)، وشتموا من يسير بين الناس بالكذب، وقالوا (أكذب من دبَّ ودرَج)، أي أكذب الأحياء والأموات.
كذلك قالت العرب (أكذب من أسير السِند)، وذلك لأن الأسير يكذب عادةً كي ينجو بنفسه، وقالوا في أسرى بلاد السِند يؤخذ الخسيس منهم فيزعم أنه ابن الملك، كذلك قيل (أكذب من عرقوب)، وكان رجلاً من العمالقة، قيل هو عرقوب بن معبد، كان أكذب أهل زمانه، وقيل أيضاً إنه كان من أهل يثرب، لا يصدق وعداً.
كذلك قالت العرب (أكذب من أخضر)، وهو رجل كذب بواقعةٍ قلب فيها المقتول قاتلاً، والقاتل مقتولاً، ومن الأمثال الشائعة في ذم الكذاب قولهم (أكذب من الشيخ الغريب)، وهو الذي يفِد قوماً ويطلب تزويجه، ثم يزعم أنه ابن الأربعين، (وهو في السبعين) كي يُجاب طلبه.
الكذب مذموم في كل الشرائع السماوية، ومذموم بشدة في الإسلام، إذ قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: “وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً”.. والكذب في امن علامات النفاق، الكذب في الحديث من علامات النفاق: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان”.
أوردت تلك المقدمة الطويلة في ذم الكذب والكذابين لأنني أرى أن قائد المتمردين.. (الباغي الشقي حميدتي) فاق الأولين والآخرين في الكذب، وأنه استحلى رِضاع الكذب فعَسُر فِطامه، وقد خرج علينا قبل أيام مُنكراً الجرائم المروعة التي ترتكبها قواته، مسنداً إياها إلى (متفلتين)، وزاعماً أن بصدد تكوين قوة لحماية المدنيين!
نسأله: أين ستجد القوة المزعومة مدنيين لتحميهم بعد أن درجوا على الفرار من أي مدينة أو قرية يدخلها أوباشك المجرمين؟
باتت مليشيات (الدم السريع) قرينة الموت والخوف والجوع والنزوح واللجوء والمعاناة عند ملايين السودانيين، فهل يريد حميدتي أن يداويهم بالتي كانت هي الداء؟
ظل هذا المجرم الكذاب يُنكر جرائم قواته وينسبها إلى متفلتين مزعومين ستة عشر شهراً، ووعد بتكوين محكمة ميدان بقيادة تابعه المجرم عصام فضيل، قبل أكثر من عام فماذا فعلت، ومن حاكمت؟ ⁠وهل نجحت في كف أذى أوباشه عن ملايين السودانيين؟
من تزعم أنك تريد حمايتهم موجودون حالياً بالملايين في دول الجوار، ومشتتون كل قارات الدنيا، ومن عجزوا عن مغادرة البلاد نزحوا إلى المدن (الآمنة) ليسكنوا المدارس والجامعات والمساجد والخيام، كي ينعموا ببعض الطمأنينة في مناطق سيطرة الجيش، ومع ذلك ظلت قواتك المجرمة تتوعدهم بأنها قادمة إليهم للمزيد من التنكيل بهم، فعلى من تكذب وتخادع؟
نسأله: قصفت قواتك المجرمة قبل يوم واحد من خطابك الكذوب المشئوم مستشفى الدايات المخصص لنجدة الحوامل وعلاج الخُدَّج، وقصفت روضةً للأطفال في أم درمان وقتلت طفلةً في الخامسة، وقصفت معسكر أبو شوك ودكَّت المستشفى السعودي، ودمرت المركز الوحيد المخصص لغسيل الكلى في مدينة الفاشر، وقصفت سوق وأحياء مدينة الأبيض وقتلت عشرات الأبرياء، وتم ذلك كله بالمدافع الثقيلة والراجمات، فهل يمتلك المتفلتون المزعومون مدافع هاون وكورنيت ومدافع 130 وراجمات 40 دليل ومدافع مضادة للطائرات؟
قصف مجرموك قبل ذلك مركز صحي الضو حجوج في بانت، ومستشفى النو في الثورة أم درمان (عدة مرات)، وقصفوا أهالي قرية ود النورة بالمدافع الثقيلة والمدافع المضادة للطائرات وقتلوا منهم زهاء ثلاثمائة، وكرروا تلك الجرائم المروعة مع سكان قرى العُقدة المغاربة وأم دوانة والفُقرا وأب قوتة وطابت الشيخ عبد المحمود وتنُّوب وأم عدارة وأم مليحة وأم جريس وغريقانة والفريجاب والسريحة وأزرق وفطيس والشريف مختار وشبونات وغيرها من قرى وحَلَّال ولاية الجزيرة، وكرروا تلك الجرائم في سنجة التي تحولت إلى مدينة للأشباح بشهادة أحد قادتك (جار النبي الأسطورة)، وفعلوها في الدندر وقراها، وفي معظم قرى وحَلّال ولاية سنار.
قتل مجرموك أكثر من خمسة عشر ألفاً من أبناء قبيلة المساليت في الجنينة وأردمتا، ودفنوا بعض المساليت أحياًءً، وقتلوا الوالي المغدور خميس أبكر وسحلوه وعلقوا جثته في شجرة ودهسوها بسيارة، واغتصبوا النساء وسبوهنَّ كل مكان وصلوه، ونهبوا وسرقوا ودمروا وحرقوا وعذبوا فهل كانت كل تلك الجرائم من فعل متفلتين دوناً عن جنودك المجرمين؟
على من تكذب؟ ومن تخادع؟

ستة عشر شهراً مضت على استباحة أوباشك ومجرميك وقتلتك لأرض السودان الطاهرة، أهلكوا فيها الحرث والنسل، ولم يتركوا جريمةً إلا ارتكبوها، ولا موبقةً إلا أتوها، وفعلوا ذلك زاعمين أنهم يريدون جلب الديمقراطية والحكم المدني لأهل السودان ويريدون محاربة الكيزان، وكانت المحصلة مقتلةً لم يسجل التاريخ مثلها في السودان، وتشريداً للملايين وقتلاً وسحلاً لمئات الآلاف، واحتلالاً للمنازل ونهباً للأموال والممتلكات ودماراً يصعب وصفه لكل جميل في بلادنا، فمتى ترعوي، ومتى تكف عن الإجرام والكذب والدجل يا من نستكثر عليك وصف (رجل)؟

فاق حميدتي أسير السِند وأخضر وعرقوباً في الكذب، (وختاها لي مسيلمة في التمنيات)، ونصّب نفسه الكذاب الأعظم في التاريخ، والمصيبة أنه لا يزال مُصِّراً على الكذب حتى الساعة، مفترضاً الغباء في ملايين السودانيين الذين يدعون عليه صباح مساء، بعد أن نكّل بهم وشتت شملهم وأراق دماءهم واحتل منازلهم ونهب ممتلكاتها وأحال بلادهم إلى خراب.. ثم خرج عليهم ليكذب بلا حياء مجدداً، ويزعم أنه يريد حمايتهم ويحرص على أمنهم، وأنه رسول المحبة وحادي الديمقراطية والمدنية وحمامة السلام لهم، وكان كالعهد به.. (أكذب من حميدتي).. أكذب من دبَّ ودرج!

كتبه مزمل أبو القاسم
مصدر:قناة طيبة

التعليقات مغلقة.