ياسين عمر يكتب: التوصيل بالجباده

عشنا في بعض المناطق بأحياء مدينة بحري “شمال” في الأيام الأولى لتمرد مليشيات الجنجويد والتي كانت تعاني هذه المناطق من اشتباكات ساخنة من الدرجة الأولى بين قوات الجيش السوداني تلك العقبة الكؤود في وجه مشروع تقسيم السودان وعناصر آل دقلو الإرهابيين “مليشيات الجنجويد” وقد كانت تعاني هذه المنطقة من فقدان مظاهر الدولة حيث غياب القانون وانعدام الأمن وانتشار اللصوص وإغلاق الأسواق العامة سيما مكاتب المؤسسات المدنية كشركة الكهرباء وخروج معاملاتها الإلكترونية من تطبيقات المصارف والبنوك.

تعلم الناس إيجاد طرق بديلة لضمان استمرار الكهرباء من بعض العاملين بقطاعاتها المختلفة والفنيين عن طريق ما يعرف بـ “الجبادة” وهي القيام بإدخال خط نار من إحدى خطوط نقل الكهرباء الثلاثة بين الأعمدة الداخلية إلى عداد الكهرباء بالمنزل، ولقد أخبروا الناس أن الشركة عقب توفر الطرق الرسمية ستعمل على تقدير حجم الاستهلاك للعداد ومن ثم اختيار تسوية لتصفية الحساب والعودة إلى ما كان عليه وهو مبدأ مقر من الشريعة الإسلامية فقاعدة الفقهاء تجيز في الضيق والاضطرار ما لا يجوز في السعة والاختيار وبالعموم فقد فصل الله لنا في القرآن ما حرم علينا وأحل لنا ما اضطررنا إليه.

هذه الكهرباء هي جزء من مال الشعب السوداني ما يعني أنها ليست “مال سايب” كما يأتي في مخيلة أحدهم ولقد آسفني جداً وأنا أتحدثت مع أحد القيادات عن الاستهلاك الكهربائي لمكيفات الاسبلت بإحدى الولايات فقال لي: “نحن يا زول ما فارقة معانا جارين الكهرباء بالجبادة” لقد لاحظت بعدها أن هذا حال الكثير من المواطنين سيما في بورتسودان استخدامهم لهذه الوسيلة المحرمة بكافة القوانين، المحزن أنها من غير حاجة أو ضرورة تعد وإذا اعتدى المرء على الكهرباء فما المانع من أن يعتدي على مال أخيه، وما الذي يمنعه من القيام بأعمال نهب مصلح أو مسلح وما الفرق بين هذا وجماعة الدعم السريع؟

إذا قارنا بين كهرباء العداد والجبادة نجد أن الشخص الذي يستهلك من الكهرباء المدفوعة تجده أكثر حرصاً على ثقافة الاقتصاد والتوفير فيغلق حتى الإنارة الأقل صرفاً من غير حاجة بعكس ما نشاهده في بعض المؤسسات الحكومية فتجد المكيفات والإنارة وكل الأجهزة الكهربائية تعمل بلا رقيب أو حسيب ولو أنك تنقلت في المكاتب تجدها تعمل بلا عاملين ما يجعل ذلك مؤثر سلبي على استقرار الكهرباء فيتضرر من ذلك المريض والكبير وصاحب الحاجة والأطفال وفي الحديث “لا ضرر ولا ضرار”

لقد فرضت شركة الكهرباء جزاءات قانونية على كل معتد أثيم على حرمة الكهرباء يتم التعرف عليه ولكنها لا ترع هذا الأمر اهتماًماً ما تسبب في انتشاره وفاقم من استقرار الكهرباء خصوصا في مدينة بورتسودان فالذي يسكن في هذه المدينة السياحية ينظر إلى تذبذب التيار في كل مكان أو أي زمان، حتى أن المكيف الاسبلت لا يمكنه التبريد من عدم استقرار قوة الكهرباء.

أكتب وكلي أملاً أن تضاعف الشركة السودانية للكهرباء من فاتورة المخالفات لمن يتم التعرف عليه سارقاً للكهرباء وأن تضاعف من عمليات التفتيش المفاجئ للأحياء وإذا كانت فاتورة الكهرباء لمتوسط الأسرة بمدينة بورتسودان 50 ألف جنيه فكيف بآلاف اللصوص جنجويد الكهرباء الذين ما زادوا مؤسسات الدولة بهذا إلا رهقا.

التعليقات مغلقة.