أيام في حياة مواطنين.. سكان الخرطوم بين البقاء والرحيل
متابعات/الرائد نت
الحرب التي نشبت في الخرطوم في أبريل من العام ٢٠٢٣ بين الجيش ومليشيا الدعم السريع المتمردة كان لها أثرها على جميع سكان الخرطوم وكان تأثيرها مباشرا على المواطنين لأن مليشيا الدعم السريع استهدفت المواطنين في مسكنهم وموطنهم ولعكس تأثيرها على المواطنين ومعاناتهم بين البقاء والرحيل تواصل (سونا) نشر سلسلة حلقات يحكي فيها مواطنين معاناتهم.
في الحلقة (4) تروي قصتها م ع ر تسكن بجنوب الخرطوم خرجت من بيتها للولايات ثم مصر بعد أن اشتدت معاناتها وخرجت كل الاسرة وجميع من بالحي بعد أن ضاق بهم الحال من أثر التدوين حولهم . تروي في قصتها أهوال الطرق التي سلكتها ومآسيها وتحكي قصة اسرة أثرت في نفسها للكيفية التي فقدت بها الاسرة ربة أسرة وأم لأربعة في حادث يعد الابشع من نوعه. ترو ي ( م ع ر ) قصتها فتقول : لم يكن الخروج من البيت أمرا سهلا لكن اشتداد سقوط الدانات حولنا وبكثافة كان سببا في خروجنا . خرجنا من دارنا ومن حينا بجنوب الخرطوم أثناء الحرب حيث كان وكان الخروج مرعبا حيث توجهنا للمجهول فقط للنجاة بأنفسنا ولم نكن نعلم إلى أين نتجه فكان القرار أن نسافر إلى منطقة الجزيرة الآمنة حينذاك.
بدأت المعاناة منذ لحظة خروجنا حيث مشينا سيرا على الاقدام إلى الميناء البري لانعدام المواصلات ، ومن ثم معاناة السفر للجزيرة ومعاناة تفتيش العربات من قبل قوات الدعم ونحن وقوف وسط لهيب الشمس نعاني الجوع والعطش عانينا ما عانينا ما بين المسير والوقوف على الشمس إلى أن وصلنا إلى منطقة (فارس) أحدى قرى الجزيرة أكرمنا نفر كريم في بيوتهم ، ثم استأجرنا بيتا وظللنا به لمدة ١٠شهور ، كنا ننظر فيها هدوء الأحوال وانتهاء الحرب والعودة لبيوتنا حتى دخلت مليشيا الدعم السريع لولاية الجزيرة وتجددت معاناتنا حيث استبيحت ونهبت البيوت بولاية الجزيرة وقراها وفقدنا وفقد الأمان كل الناس من حولنا وبدأ الجميع في رحلة البحث عن الأمان وبدأت الهجرة لقرى أخرى أكثر أمانا ولا ننسى مشاهد الخوف الذي عشناه وصوت الدانات يأتيك من كل مكان وجهة وكانت هناك إصابات لأناس حولنا أثر التدوين المستمر حولنا . وهجر الناس جميعهم بيوتهم وواجهنا نقصا في الطعام وكانت قاصمة الظهر انقطاع الانترنت ففقدنا الاتصال بالأهل ولم يتمكن أحد من أستلام التحاويل والأموال التي كانت تصلهم ويعتمدون عليها في وقت يصعب فيه أن يجد أي أحد من يمد له يد العون فالجميع حالهم يغني عن سؤالهم .
ولم يكن لأحد أن يجد ما يقضي به حوائجه وعجز الناس عن إيجاد مصدر لسد رمق الجوع وزادت معاناتنا عندما مرضت أختي ولم نجد بالمستشفى سبيلا لتركيب جهاز الاكسجين لها وكان لابد لنا من ترحيلها إلى مستشفى سنار واضطررنا لترحيلها بعربة ( كارو ) لعدم وجود سيارات فقد تم نهب جميع السيارات بالمنطقة .
وقبل وصولنا لمستشفى سنار أسلمت روحها لبارئها كتمنا أحزاننا واضطررنا لمواصلة الطريق حتى وصلنا سنار نزلنا عند أقاربنا في معاناة أخرى فقد كان البيت مزدحما بالهاربين من الأهل من مدني.
ظللنا نترقب عودة الانترنت ونحن نحس بمعاناة أصحاب البيت ونتألم لعدم مقدرتنا على المشاركة معهم في تكاليف المعيشة وكنا لم نتسلم تحاويل مالية لمدة شهرين . وعزمنا على الرحيل إلى مصر وكان الحل الوحيد استغلال عربات البكاسي التي من المفترض أن تكون لنقل البضائع وبدأنا رحلة شاقة . من سنار بدأت رحلة المعاناة فقد كان الرحلة من سنار إلى القضارف ، كسلا ، بورتسودان فعطبرة ، كان المبيت في قارعة الطريق نفترش الأرض ، وصلنا منطقة سيدون حيث البكاسي المهترئة وسائقوها المهرة لدرجة الدهشة . كنا على ظهر البوكسي ١٥ فردا يمثلون ثلاثة أسر بدأت رحلتنا في ليل دامس لا قمر فيه يلفنا الصمت والخوف من المجهول ليس لنا من المتاع الا قوارير المياه التي صرفنا عليها كل المال. اشرقت الشمس واستبشرنا بالنور فكان أن لسعتنا الشمس الحارقة بلهيبها وعانينا الامرين وتعرض بعض الصغار لضربة شمس وتأثر كبار السن من مرضى الضغط والسكري.
وكانت اقسى معاناة تعرضنا لها فقد كان هناك صغارا تعرضوا لضربات الشمس ومرضي سكري وضغط لكن كانت رحمة الله واسعة فقد كان مع أحدى الأسر طبيبا وكان متحسبا لهذه المواقف فكان وجوده بردا وسلاما علينا فخفف من مصاب الكثيرين من المرضى بمداواتهم . بعد المسير مسافات سلمنا صاحب السيارة إلى آخر في نقطة أخرى ليواصل بنا المسير وبعد السير لمسافات تعطلت سيارته فاضطررنا للمبيت يومين في صحراء لا ظل فيها إلا من بعض الرواكيب لا تظل ولا تأوي فكان الخوف من العقارب والافاعي وسط الصخور والخوف من نفاذ المياه فكان الطبيب وكان لإرشارات الطبيب الدور الأكبر في الوقاية مما نتعرض له من تعرض للحرارة وعطش ، كانت تلك أقسى يومين نتعرض لهما منذ اندلاع الحرب.
تم اصلاح العطل وتحركنا مع انبلاج الفجرودوما كان الصمت هو سيد الموقف يقطعه احيانا بكاء طفل أو آهات مريض وكان الطبيب هو البلسم دائما دكتور صلاح كان رجلا جبلا في الصمود به تقوينا جميعا . وفي أثناء السير فجاة سمعنا صوتا يشق صمت الصحراء (اجررررري)فما كان من سائق السيارة الا وانحرف عن الطريق في سرعة جعلتنا جميعنا نصرخ ونتماسك ببعضنا البعض خوفا من السقوط وقد رأينا بأم أعيننا أناسا سقطوا على الطريق ولم يتوقف أحدا لإنقاذهم ففي الوقف لإنقاذهم مصادرة العربة وتعرض سائقها للاعتقال من قبل السلطات المختصة التي تقوم بتمشيط الطريق للامساك بالمهربين الذين في الغالب يعملون في تهريب البشر والوقود . وعقوبة التهريب قانونا هي السجن ١٥عاما لذلك لم يكن السائقون يتوقفون لإنقاذ أحد حين سقوطه وهكذا يموت الناس في سبيل الهروب لحياة كريمة . وصلنا لمصر وعملنا على تقنين أوضاعنا واستمرت معاناتنا للآن في سبيل العيش الكريم في بلد نستأجر فيها شققا ونعيش بمنصرفات يومية دون وجود دخل موازي للمنصرفات مع انخفاض سعر الجنيه مقابل العملات الاخرى لكننا نساند بعضنا البعض ونصبر ونتضرع لله أن يفرج همنا . وتروي م ع ر قصة أبشع حادث وفاة لربة أسرة توفت في الطريق وهي تسير في رحلة للنجاة من الموت فماتت في رحلة الهروب من الموت فتقول م ع :
في صبيحة ١٥ابريل 2023 م حين دوى صوت الانفجارات في المدينة الرياضية لم تكن ندى واخواتها وهن يخبزن كعك العيد يتوقعن أن حربا قد نشبت وعندما توالت الانفجارات هرعنا جميعا وخرجن للبحث عن أولادهم في الشوارع والجامعات ندى في العقد الرابع من عمرها ام لبنتين وولدين أبناءها دون العشرين من العمر جميعهم ، تسكن بمنطقة جنوب الخرطوم ادخلن اولادهن للبيت وظل دوي الانفجارات مستمرا ، وظل الحال هكذا لأيام متوالية دون توقف . تكاتف جهودها وجاراتها لإعانة بعضهن البعض وصنع الطعام لأسرهم بصورة جماعية وبعد فترة ضاق الحال بكل اسرهن حيث عانوا من نقص الطعام وانقطاع المياه والكهرباء عن الحي عندها قرر الجميع الخروج للولايات الآمنة في البدء تمسكت ندى ببيتها الذي سكنته حديثا بعد عودتها من السعودية ووضعت كل حصاد غربتها فيه ثم رضخت للأمر.
وواجهتها مشكلة التذاكر فقد كانت الاسعار خرافية ولم يكن لديها من المال ما يكفي لخمسة أشخاص ولا سبيل لاقتراض فكل شخص في همه وكان لقطع النت اثره البالغ في المعاناة لعدم قدرة زوجها لإرسال النقود فقررت أن تسافر وأولادها متفرقين وعلى مراحل حسب الإمكانيات والمقدرة المالية فسافر اولادها اولا برفقة جارهم وبقيت هي وبناتها فتفرق شمل الأسرة ولم تكن تصلها أخبارهم مع انقطاع النت شهر كامل لا تعرف عنهم شيئا سهرت الليالي هما وتفكيرا ودعاءً لجمع شمل الاسرة إلى أن اطمأنت عليهم بعد عودة الانترنت . تسلمت ندى تحاويل مبالغ مالية من زوجها وسافرت إلى بورتسودان ، لم يكن الوضع هناك أفضل من حيث التكاليف إضافة للتفكير في المدارس فقررت السفر لمصر هي وأبنائها وقررت نجوى اختها السفر معهم . وكان السبيل لذلك بكاسي التهريب من بورتسودان في وضع مزري فقد كانت حمولة البوكسي من البشر والأمتعة اكبر من حمولته حينها قال صاحب السيارة أن عليه أن يربطنا مع بعض البعض حتى لا يسقط أحد بكينا جميعا ورفضنا فقال لنا إذا فإني لا اتحمل مسؤولية من يسقط منكم فما كان من الجميع إلا أن انصعنا مرغمين الا ندى التي رفضت بحجة أنها لن تسقط لضخامة حجمها وحين تحركت السيارة كانت تسير وكأنها طائر يطير في الهواء وكان السير في وسط ظلام حالك يلف سواده الجميع والجميع يبكون في صمت خوف الظلام ومخاطر سرعة السير.
اشرقت الشمس ونزل الجميع للراحة في خيام لم تجيرهم من هجير الشمس الحارقة وقرر سائق السيارة أن يتم التحرك ليلا لحرارة الشمس ورفقا بالأطفال وأمضوا ساعات النهار بين بكاء النساء والأطفال وسخونة مياه الشرب ومعاناة قضاء الحاجات كانت أكبر معاناة لهم . تحركت السيارة تشق الظلام وما هي برهة إلا وعاد السائق ادراجه في الطريق المعاكس عندما رأى أفراد شرطة الحدود ، وعلا صراخ الجميع وسقطت ندى ولم يتوقف السائق ولم يجدي الصراخ ولا العويل ولا الرجاء ليوقف السائق وسقط غيرها آخرين ولم يتوقف السائق ، وبعد فترة عاد السائق أدراجه فتفرق الجميع في ذهول بحثا عن من سقطوا في الطريق ، الأرض شاسعة والظلام دامس والرعب يملأ الجميع وجرى الجميع بحثا وأملا في نجاة المصابين وسار الجميع مسافات طويلة.
جرى الجميع مسافات طويلة بلا هدى الا من بعض اضواء صادرة من الموبايلات فجأة سمع الجميع صرخة هزت عباب الصحراء صدرت من أحد ابناء ندى وجرى الجميع صوبه فوجدوها وقد غطاها التراب ولا تستطيع الحراك من الألم وتئن بصوت مكتوم صرخ الجميع طلبا للمساعدة وتم رفعها ورفع جميع من سقطوا وكانوا أحسن حالا منها، ركب الجميع ووصلوا بعد جهد وعناء منطقة الكسارات واستقلوا تكتك لأسوان وتوفاها الله قبل الوصول لم تكن ترغب في مغادرة بيتها وكانت تحدث اخواتها بضرورة الصبر والصمود وخرجت من بيتها وتحملت المشاق والمعاناة والصعاب في رجلة شاقة كان ختامها الموت خلفت وراءها أبناءها يواجهون المجهول . وتقول كل ما واجهنا من صعاب يؤكد ضرورة الصبر والتكاتف ويدل على وإن أوزار الآخرة أقسى من مشاق الحياة الدنيا.
التعليقات مغلقة.