أيام في حياة مواطنين سكان الخرطوم بين البقاء والرحيل.. تفاصيل الحلقة (٣)
الخرطوم/الرائد نت
أيام في حياة مواطنين سكان الخرطوم بين البقاء والرحيل (٣) الخرطوم ٢٧-٦-٢٠٢٤ (سونا)- الحرب التي انفجرت في الخرطوم في أبريل من العام ٢٠٢٣ بين الجيش ومليشيا الدعم السريع المتمردة تركت آثارها على جميع سكان الخرطوم ولم تكن ككل الحروب حيث أن تأثيرها كان مباشرا على المواطن وذلك لاستهداف مليشيا الدعم السريع له في تواجده بمسكنه وموطنه.
ولعكس تأثير هذه الحرب على المواطنين ومعاناتهم بين البقاء والرحيل تواصل (سونا) نشر سلسلة حلقات سرد المواطنين معاناتهم. هذه الحلقة (٣) لمواطنة ارتحلت إلى مصر مع عائلتها بالتهريب تاركة أسرتها الصغيرة بالسودان لأنها خرجت من الجزيرة لظروف وتم قبل عودتها لاسرتها دخول المليشيا المتمردة لولاية الجزيرة ولم تتمكن من العودة لبيتها وأسرتها، وقننت وضعها بمصر، بالحصول على كرت مفوضية اللاجئين.
فإلى مضابط حديث المواطنة ك.ع.م : في اليوم الخامس عشر من شهر أبريل من العام ٢٠٢٣ بدأت الحرب .. وتفاجأت انا و اخوتي بها كنا نسكن بالقرب من كبري الحلفايا وعرفنا بنشوب الحرب عندما اهتزت الأرض من حولنا بأصوات الدانات ومختلف الاسلحة الثقيلة تدور حولنا بصورة مرعبة افقدتنا صوابنا من ضجيج الأطفال وأمتلأ المكان بأصوات صراخهم .. ومرت أيام ونحن على هذه الحالة وكل يوم يمر علينا كان أسوأ من الذي قبله. واشتدت معاناتنا يوما بعد يوم من قلة المواد الغذائية .. وكان هذا الوقت في شهر رمضان الفضيل ومع الصيام عايش الناس أياما .. عصيبة.. في تلك الفترة انا تحركت برفقة ابن اختي إلى الجزيرة حيث يتواجد زوجي الذي كان يعاني من مرض بواسير حاد ..
واخواتي غادرن إلى حلفا .. ومنها إلى مصر .. لكن الظروف لم تساعدهم بل ظلوا بها حتى أغسطس ثم انتقلوا من حلفا إلى عبري.. اما أنا فقد ظللت بالجزيرة حتى يوليو واطمأنيت على زوجي وبنتي.ومن الجزيرة رافقت ابن اختي الصغير إلى عبري للاطمئنان على اخواتي .. ومنها غادرنا جميعا إلى بورتسودان وفي بورتسودان عانينا وكان الوقت في موسم الأمطار مكثنا بها لمدة شهر كامل نحن وأطفالنا ، كنا ننام جلوسا فقد تم استغلالنا من قبل صاحب البيت الذي استأجرناه منه حيث كان الإيجار بستمائة الف جنيه وكان سقف المنزل أشبه بالغربال ..نحن واطفالنا نظل صاحين حتى الصباح لسقوط الأمطار من خلال السقف وخوفنا من سقوطه في أي لحظة.
في تلك الفترة أصيبت شقيقتنا الكبرى بمرض الكوليرا وعانت كثيرا حتى خشينا عليها من الموت .. كانت في اليوم الواحد تتناول (30) دربا وظلت في المستشفى لمدة ستة أيام .. وبعد خروجها من المستشفى فكرنا في المغادرة الى مصر .. في تلك الفترة دخلت المليشيا الجزيرة وكنت أنوي الرجوع لبيتي في الجزيرة . ساعتها قررت الذهاب مع اخواتي إلى مصر لأن قريتنا كان بها ثلاثة ارتكازات للمليشيا المتمردة لا دخول ولا خروج منها .. لملمنا أطرافنا وتوجهنا من بورتسودان إلى عطبرة وكنا على اتصال مع صاحب بوكس تهريب .. واتفق معانا المشوار حتى مصر بمليارين كأسرة مكونة من ثلاثة عشر فردا بما فيها الأطفال ..
إلا اننا بعد وصولنا إلى عطبرة صاحب البوكس لم يظهر في الوقت المحدد، وكنا قد استأجرنا غرفة في لوكندا اليوم بخمس وثلاثين ألف جنيه أضطررنا للبقاء بها اسبوعا كاملا ولم يأت صاحب البوكس والأسوء من ذلك أن صاحب البوكس كان قد تسلم منا مبلغ ثلاثمائة الف جنيه سوداني لتحويلها إضافة للمبلغ الذي دفع مقابل ترحيلنا ولم يقوم بترحيلنا ولا بتحويل المبلغ. واتفق ابن اختي الكبرى مع صاحب بوكس آخر وظللنا في سلسلة من المعاناة لاسبوع ونحن في أبي حمد ، تحركنا ووصلنا لمكان يتم في استبدال البكاسي لكن للأسف صاحب البوكس الذي سنتحول له تسلم إيجار البوكس ولم يحضر لمواصلة السير بنا وكان قد تسلم مبلغ الترحيل كاملا ..
ظللنا في وسط الجبال في انتظاره لمدة يوم كامل لا شراب ولا طعام ولا مكان للراحة في العراء نهارا وظلمة الليل مساءا وسط الجبال والصخور وما أعاننا إن الجو بارد جدا وكانت معنا مواد نتزود بها بلح وماء وبسكويت كان ذلك في شهر ديسمبر ، تم الاتفاق مع صاحب بوكس آخر ليوصلنا لنقطة نلتقي فيها ببوكس آخر لنواصل به السير واشترط عليه ابن أختي عدم استلام المبلغ والنزول من سيارته إلا بعد ظهور بوكس التبديل الذي سيقلنا إلى أسوان .
وفي مساء اليوم الثاني حضر البوكس .. ووصلنا في غضون يوم ونصف ومنها استأجرنا هايس إلى أسوان وكان اليوم رأس السنة .. وكانت الفنادق كلها محجوزة.. وبعد مشقة وبحث شديد وبعد أن أمضينا ليلة كاملة في البحث وجدنا شقة اليوم فيها بخمسمائة جنيه مصري . في صباح اليوم التالي والذي يوافق الأول من يناير 2024 م تحركنا إلى القاهرة .. ومن أول ارتكاز في أسوان تم إرجاع ابن اختي مع عدد من الشباب.. ونحن ظللنا صامتين لا ندري ما نفعل وكان وقع إرجاعه للخرطوم صعب جدا حيث لم يكن له أحد من الأقارب للسكن معه الأسرة كلها خرجت ومن تبقى منها بجنوب كردفان.
وحتى الآن يسكن مع احد أصحابه في بورتسودان .. ورفض نهائيا أن يكرر محاولة الدخول مرة أخرى بمشاقها ومخاطرها ومجاذفاتها فتشتت الأسرة. وصولي لمصر كسبت فيه البقاء في مكان آمن لكني فقدت بيتي و زوجي وبنتي فقد كتب على أعيش على أمل العودة لهم بعد وداع اخوتي بعد أن فكروا في مغادرة الوطن إلى مصر لكن الحرب اللعينة أمتدت للجزيرة من غير سابق إنذار .. وبهذه الحرب فقدنا انا واخواتي بيوتنا في أم درمان وسياراتنا وفقدنا وسيلة تكسبنا وهي محلات في سوق ام درمان لصناعة الصابون.
وانقطع عني صرف راتبي .. لان حسابي في بنك فيصل ولم أتمكن من صرف إستحقاقاتي حتى الآن وقيل لي أنه لا سبيل لصرفها إلا بتوكيل موثق بالسفارة وكلفني التوكيل تسعمائة جنيه مصري وانتظر عودة شخص موثوق للسودان ليقوم بصرف نقودي من بورتسودان وتحويلها ولم أتمكن من صرف استحقاقاتي منذ نوفمبر 2023م وحتى تاريخ اليوم.
لقد وصلت مصر بلبسة واحدة فقط لأن الشنط تخلصوا منها في الطريق يقال أنه كالعادة يتم رمي العفش من البوكس حتى لا يحمل أكثر من اللازم . زادت الرحلة الشاقة معاناة المرض عندي لأني أعاني من قبل من مرض الغضروف الذي ازداد وأصبحت آلامه قاسية وتحولت آلامه الخفيفة إلى آلام غير َحتملة وأصبحت لا استطيع النوم إلا بعد تناول حبوب مسكنة وصرت كثيرة النسيان بصورة غريبة.
واصبت بالتهاب حاد للغاية بسبب فيروس في الجو .. تسبب في إصابة الأطفال والكبار لمدة عشرة اسابيع تقريبا كل السودانيين عانوا منه..كحة وبلغم وحمى شديدة..كذلك شقيقتي الكبرى فجأة أصيبت بشد عضلي اقعدها عن الحركة، قبل رمضان وحتى الآن لم تستطع الحركة الا بمشاية وقرروا لها عملية بمبلغ ثمانية وخمسون الف جنيه مصري ..ما يعادل اكثر من ثلاثة مليار جنيه سوداني وحاليا تتلقى العلاج الطبيعي . وتسلمنا من المفوضية الكرت الذي يسمح لنا بالحركة بحرية ولقد تم اعطاءنا قائمة بأسماء الجهات التي يمكن أن تساعدنا.
الحرب التي كتبت على بلادنا وتأثرنا بها كمواطنين كان فيها من العبر والعظات الكثير وايضا استفدنا منها بتعلم الصبر والجلد والحكمةوأن نكون متيقظين لأي طارئ وترتيب الأولويات من حيث الإهتمام بالاهم ثم المهم ونكون على يقين أنه لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا .. و أن هذه الحرب بالرغم من بشاعتها و ضررها إلا أنها لم تزدنا إلا منعة و قوة و صلابة و رباطة جأش.. كما أكدت لنا أن أبناء الوطن قادرين على الدفاع عنه و إنتزاع حقوقه لا يخافون لومة لائم.. نسأل الله ان ينهي الحرب في السودان ويصلح حال البلد ونعود إلى أهلنا سالمين غانمين..يارب العالمين.
التعليقات مغلقة.