هل يجوز الفطر للمجاهد في رمضان ؟.. د. محمد الأمين إسماعيل يجيب..
متابعات/الرائد نت
يجوزُ الفِطرُ للمجاهِدِ في سبيلِ اللهِ، إذا دعت الحاجة إليه، وذلك باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحَنَفيَّة،((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/303)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/421).
والمالكيَّة،
قال الإمام الباجي رحمه الله في المنتقى شرح موطأ الإمام مالك :
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : (تَقْوَوْا لِعَدُوِّكُمْ) فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ فِطْرِهِمْ . . . وَلَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ السَّفَرَ لَمَا عَلَّلَ بِالتَّقَوِّي لِلْعَدُوِّ وَلَعَلَّلَ بِالسَّفَرِ اهـ
انظر:
((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 81)، ((منَاهِجُ التَّحصِيلِ ونتائج لطائف التَّأْوِيل في شَرحِ المدَوَّنة وحَلِّ مُشكِلاتها)) للرجراجي (2/80).
والشافعية،
((نهاية المحتاج مع حاشية الشبراملسي)) (3/186) وينظر: ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (2/333).
والحنابلة
((الإنصاف)) للمرداوي (3/203)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/310).
و الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي سعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((سافَرْنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى مكَّةَ ونحن صِيامٌ، قال فنَزَلْنا منزلًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّكم قد دَنَوتُم مِن عَدُوِّكم، والفِطرُ أقوى لكم، فكانت رخصةً، فمِنَّا من صامَ ومِنَّا من أفطَرَ، ثم نَزَلْنا منزلًا آخَرَ، فقال: إنَّكم مُصَبِّحو عَدُوِّكم والفِطرُ أقوى لكم، فأفطِرُوا، فكانت عَزمةً، فأفطَرْنَا، ثم لقَد رأيتُنا نصومُ بعد ذلك مع رَسولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآلِه وسَلَّمَ في السَّفَرِ ))رواه مسلم (1120)
قال الإمام الشوكاني رحمه الله
وفي الحديث دليلٌ على أنَّ الفِطرَ لِمَن كان قريبًا من العَدُوِّ أَوْلى؛ لِمَظِنَّةِ مُلاقاةِ العَدُوِّ ووصولِهم إليه؛ ولهذا كان الإفطارُ أولى ولم يتحَتَّم. وأمَّا إذا كان لقاءُ العَدُوِّ متحقِّقًا، فالإفطارُ عزيمةٌ؛ لأنَّ الصَّائِم يُضعِفُ عن منازلةِ الأعداءِ وقتالِهم. ((نيل الأوطار)) (4/268).
قال ابن كثير رحمه الله :
وأفتى الناس بالفطر – يعني ابن تيمية رحمه الله – مدة قتالهم وأفطر هو أيضاً ، وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقووا على القتال أفضل ، فيأكل الناس اهـ
انظر : “البداية والنهاية” (14/31) .
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (2/53-54) :
وكان – النبي صلى الله عليه وسلم- يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله ، فلو اتفق مثل هذا في الحضر وكان في الفطر قوةٌ لهم على لقاء عدوهم ، فهل لهم الفطر ؟ فيه قولان : أصحهما دليلا : أن لهم ذلك ، وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله ، وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدو بظاهر دمشق ، ولا ريب أن الفطر لذلك أولى من الفطر لمجرد السفر ، بل إباحة الفطر للمسافر تنبيه على إباحته في هذه الحالة ، فإنها أحق بجوازه ، لأن القوة هناك تختص بالمسافر ، والقوة هنا له وللمسلمين ، ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر ، ولأن المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد أعظم من المصلحة بفطر المسافر ، ولأن الله تعالى قال : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) الأنفال /60 .
والفطر عند اللقاء من أعظم أسباب القوة . . . ولأن النبي قال للصحابة لما دنوا من عدوهم : ( إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ، وكانت رخصة . ثم نزلوا منزلا آخر ، فقال : إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزمة فأفطرنا ) .
فعلل بدنوهم من عدوهم واحتياجهم إلى القوة التي يلقون بها العدو ، وهذا سبب آخر غير السفر ، والسفر مستقل بنفسه ، ولم يذكره في تعليله ولا أشار إليه . . . وبالجملة فتنبيه الشارع وحكمته يقتضي أن الفطر لأجل الجهاد أولى منه لمجرد السفر ، فكيف وقد أشار إلى العلة ، ونبه عليها ، وصرح بحكمها ، وعزم عليهم بأن يفطروا لأجلها ، ويدل عليه ما رواه عيسى بن يونس عن شعبة عن عمرو بن دينار قال : سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله لأصحابه يوم فتح مكة : إنه يوم قتال فأفطروا ، فعلل بالقتال ، ورتب عليه الأمر بالفطر بحرف الفاء . وكل أحد يفهم من هذا اللفظ أن الفطر لأجل القتال اهـ
وقال الإمام المناوي رحمه الله في فيض القدير :
” مُصَبِّحُو” أي : توافونه صباحاً . وفي رواية : (قد دنوتم من عدوكم) . . . وأُخِذَ من تعليله بدنو العدو واحتياجهم إلى القوة التي يلقونه بها أن الفطر هنا للجهاد لا للسفر ، فلو وافاهم العدو في الحضر واحتاجوا إلى التقوّي بالفطر جاز على ما قيل لأنه أولى من الفطر بمجرد السفر اهـ.
التعليقات مغلقة.