بشارة جمعة أرور يكتب:الهيمنة والسيطرة المستحيلة

متابعات/ الرائد نت

حتمية التوافق وترتيب الأوضاع

الهيمنة الأحادية أو السيطرة الثنائية مستحيلة في هذه المرحلة مهما سعت أي مجموعة تدعمها جهات خارجية بأفكار بديلة أو تلك القوى الحالمة وبعض الوسائل الإعلامية التابعة لها لصناعة واقع مغاير من أجل تزييف الحقائق بحيث تفرض وجهة نظرها التي تتنافى وتتعارض مع المعتقدات والقيم والأعراف…، وكان واضحاً منذ البداية أنّ الإتفاق الإطاري صفقة ثنائية لا يستحق التَعْوِيل عليه ولو من باب التجاوز، فغداة توقيع تلك الاتفاقية كانت الساحة السياسية منقسمة فالواقع المتوهم والاتجاهات الخاطئة كانت شاخصة للقاضي والداني،والأمر واضح أن هنالك محاولات لفرض الهيمنة والسيطرة من جانب وأخرى تسعى لكسر حالة الجمود السياسي…، فمنذ الأحد 9 /1/ 2023 م نشطت قوى الاتفاق الإطاري بتدشين المرحلة النهائية للعملية السياسية في السودان بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي يفضي إلى فترة انتقالية دون إعطاء أي إعتبارات للآخرين،وتعهد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان في كلمة له خلال مؤتمر التدشين بالعمل على ” إنجاح التحول الديمقراطي الحقيقي، دون أن يكون للمؤسسة العسكرية أي دور”
وكذلك إنطلقت ورشة الحوار السوداني السوداني بتاريخ الأربعاء الموافق 1/2 / 2023م.
تحت شعار:(آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع).
وتوصلت إلى مخرجات و وثيقة وطنية حاكمة للفترة الانتقالية تهدف إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة وإنتقال ديمقراطيّ كامل.
من هنا تتضح أن حتمية التوافق وترتيب الأوضاع كمحصلة نهائية على أساس التوازن القومي الشامل والعدالة الانتقالية في ظل وحدة الشراكة التي يساهم فيها كل طرف بما لديه من قدرات مادية وقيم ثقافية في علاقة تحقق مصالح وتبرز إسهامات جميع الأطراف بصورة متوازنة في ما يشبه حالة تناغم الإيقاعات رغم تعددها بحيث تشكل وحدة موسيقيّة رائعة وليست وحدة السيطرة التي تجسد فيها ممارسات الإستغلال الإقتصادي والاستلاب الثقافي…،فهل ستقبل القوى المتَعنَّتة المعروفة بالتعصب في الرأي ومتحجرة فكرياً ومتجمدة في الموافق مكابرةً وعناداً، النزول من برجها العاجي المتوهم وتعمل مع الآخرين من أجل الوصول إلى التوافق أم ستظل مضطربة وضالة تعوقها الكِبْر والصلف عن بلوغ الغايات النبيلة ؟!
هل هذه الفترة ملك لفئة أو مجموعة بعينها ؟!
هل شأن إستقرار الوطن شأن قومي يهم الجميع أم تخص قوى تدعي الأفضلية زوراً وبهتان ؟!
إن ما تثيره الأسئلة التي طرحناها آنفاً، شأن قومي ذو خطر كبير لا يعني الحكومة وحدها وإنما الشعب بأسره وفي مقدمتهم الساسة وفي التعامل مع هكذا شأن لا يجدينا الإنفعال فقط بالآني المؤقت دون المستقبلي الإستراتيجي ولا مع المحلي المحدود دون الوطني الشامل.
كما أن شأناً كهذا لا تجدي معه نزعات المزايدة والشماتة والتشفي بل المطلوب أقصى درجات العقلانية والموضوعية وإمعان النظر في حسابات الربح والخسارة للمصلحة الوطنية.
وإذا كان الأمر شأناً قومياً يهم الجميع كما أسلفنا، فإن التعامل الصحيح معه يتطلب فهماً دقيقاً لأبعاده حتى نتجنب الإبتسار والتبسيط المخل في المعالجة.
ويستطيع المرء أن يلحظ مثل هذا الإبتسار في بعض التصريحات والكتابات التي تتناول القضية في ضوء توسع دائرة الصراعات السياسية وحرب المبادرات والاتفاقيات…، والإحاطة بأبعاد المشكلة تستوجب في تقديرنا إعطاء خلفية تاريخيّة عن المشكلة وتطورها، ليس نكأً للجراح ولا إستدعاءً للمرارت، وإنما ضرورة ذلك لأغراض الحاضر والمستقبل، أجل فإذا كان الإلمام بمعطيات الحاضر لازماً لحسن إدارته، والقدرة على قراءة إتجاهات المستقبل ضرورية للتخطيط السليم له، فإن الخلفية التاريخية هي الذاكرة ولا غني عن الذاكرة ومخزونها من التجارب والعبر والدروس المستفادة لإدارة الحاضر أو التخطيط للمستقبل وترتيباً على ذلك دون القارئ موجزاً عن التطور التاريخي للمشكلة.
فقضية الإنتقال ضارب الجذور في تاريخ السودان القديم والحديث، جزيل الإسهام في حضارته ونضاله منذ أن كان السودان الحديث…، وقد كان فشل الأطراف في إدارة الفترة الانتقالية بإعترافاتهم المسجلة إنذاراً مبكراً للقيادة السياسية ولكن أحداً لم يلق بالاً والسمع حينما طالبت القوى السياسية الوطنية الحادبة على مصلحة الوطن في الأمن والاستقرار عبر مصالحة وطنية شاملة وكذلك طالبت الجماهير بالتنحي…،بل تمادوا في إستمرارية المزيد عن الفشل، وكل ما صعدوا المنابر وخاطبوا اللقاءات كانوا يؤكدون المؤكد وكأن ذلك يحقق لهم مكسباً سياسياً !!!
وإذ فشلت النخبة السياسية والمنظومة التي تدير إدارة المرحلة في قراءة واقع السودان ما بعد التغيير على حقيقته وترتيب أمره وفق معادلة تحقق التوازن والعدالة، فقد كان وطأة الإنفلات الأمني والإهمال الإداري بل والإستغلال أشد وقعاً على المواطن البسيط، وبسبب من الإحساس بعدم قدرة الحكومة لحمايتهم صارات القبائل والكيانات حكومات محلية قائمة بذاتها وكأنها دويلات مستقلّة…وبهذه الصورة وبهكذا تطور، دخلت الفترة الانتقالية مرحلة جديدة مختلفة نوعياً عما سبق تماماً، وكان يمكن إحتواء الفشل وتدهور الحال الذي بدأ محدوداً،لولا حماقات المسوؤلين والسياسات غير المسؤولة التي أججت الفتن القبلية والجهوية فكان ذلك هو السبب الحقيقي في دخول الناس في الصراعات القبلية الطاحنة في الآونة الأخيرة.
ولكي نواجه هذا الأمر لابد أن يقوم كلٍ منا بواجبه في مواجهة التحدي الماثل خير قيام بإعمال العقل قبل العاطفة، كما أنه ليس صحيحاً الإنجراف خلف الشائعات التي تدعوا للفتن بلا تبصر وتحسب للمالآت النهائية فتلك حماقة لا يرتكبها إلاّ ساذج.
ويقع الدور الأساسي في هذا التحدي على القيادات السياسية بمختلف إنتماءاتهم من بعد الحكومة، ويجب أن يدركوا أن أساس إستقرار أية دولة وحكومتها هو التراضي بين أبناء الوطن على أساس التعايش السلمي والعدالة وليس بفرض نظام من جهة خارجية ومعلوم أن تجربة فرض النظام من الخارج لم تنجح في كثير من الدول.

ولكي نتعامل مع الواقع المرير الذي نعيشه بالحكمة اللازمة،لابد من التسامي فوق مرارات الماضي ولابد من تجنب مساعي الفتنة وسياسة فرق تسد التي بدأت بأقلام بعض كتاب الفتنة والارتزاق من الكذب. ثم علينا أن ندرك جيداً إن الاستقرار السياسي والمستقبل الزاهر لكل أجزاء السودان إنما يكمن في الوحدة القائمة على ضمانات دستورية قوية تحقق التوازن في قضايا الهوية،السلطة والثروة في ظل نظام ديمقراطيّ حقيقي وهذا ما يجب أن نعمل له جميعا.
إن المشهد يبدو كما لو كنا نقف جميعاً على حافة المنزلق وإن مصيرنا ومصير وطناً يتوقف على خطواتنا التالية:
أولاً: نبذ خطاب الكراهية.
ثانياً: توحيد الكلمة والجبهة الداخلية.
ثالثاً: التعاون والتضامن.
فما أحوجنا لتدبر بيت الشعر.
” قدر للرجل قيل الخطو موضعها فمن علا زلجاً عن غرة زلقا “
إذاً من الضرورة أن يوضع أولئك الأغرار في حجمهم الطبيعي، لأن بعض القوى السياسية الفهلويّة إستخدمت أساليب رخيصة، وسلاح الأماني الكاذبة بوعود تثير السخرية والشفقة معاً بإستغلال ضعف الوعي في إستمالة الناس لإحتكار الساحة وإقصاء الآخرين.
لقد وضعنا ذلك الواقع أمام خيارين فأما الصمت وترك الناس نهباً للتضليل وإما التحرك لتوعيتهم بالحقائق وإنقاذهم من الأوهام، ولأننا نؤمّن بأن مهمة القيادة السياسية تحتم مواجهة الناس بالحقائق حتى إذا كانت مرة وعسيرة الهضم عليهم فقد إخترنا الطريق الثاني،وهكذا قررنا القيام بالكتابة كحملة تنويريّة لا لإنقاذ ضحايا التعبئة الخاطئة بالتضليل السياسي فحسب بل أيضاً لإنقاذ الساسة الضالين أنفسهم من الأوهام والظنون…، بالإضافة لتبصير الناس بمدى خطورة إستغلال الواجهات القبلية في العمل السياسي.
ولا شيء سيتوقف رغم المغالاة والغطرسة،بل ستستمر آمال الشعب وتطلعات المجتمع السوداني في تحقيق طموحاته نحو التحول الديمقراطي.
وحسب المعلومات الغزيرة،والتسريبات المتوفرة،قريباً جداً جداً ستكون هنالك جولات ولقاءات مثمرة ولجان مشتركة و… إلخ.
وسينتهي الفلم الهندي وكل المسرحيات السياسية الكوميدية القديمة.
السودان وطن يسع الجميع، ولو كره المُتعجْرِفون وغضب السفراء واغتاظ المبعوثون.

(حرية-سلام وعدالة والوحدة خيار الشعب)

التعليقات مغلقة.