نص خطاب السيد جعفر الصادق الميرغني بورشة القاهرة

متابعات/ الرائد نت

بسم الله الرحمن الرحيم
“يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ”

بسم الله بدءًا وختماً والصلاة والسلام على سيدنا محمد ذاتاً ووصفًا واسمًا
الأشقاء والشقيقات الكرام
أعضاء وقادة و ممثلى الأحزاب و الكيانات السودانية،
السادة رجال المجتمع المدني السوداني،
السيدات والسادة من المناضلين الكرام،
السادة الضيوف كلاً بمقامتكم السامية ،
السلامُ عليكم ورحمةُ الله تعالى وبركاته؛
يطيب لي في بداية هذا الخطاب، أن أتوجه بالشكر الجزيل لجمهورية مصر العربية، قيادةً وشعبًا، على كرم الاستضافة، وعلى المبادرة الطيبة. والتي تدل على الاهتمام الصادق بخير السودان وأهله. فالحق، أننا كنا في حاجةٍ حقيقية لمثل هذا اللقاء للتفاكر والتشاور والحوار.
ثم إنني أبدأ حديثي إليكم اليوم، بشكركم جميعًا، في الأحزاب والكيانات السياسية الوطنية المتفرقة، على الحضور إلى هذا الملتقى، والمشاركة في العصف الذهني الوطني، الذي انتظمنا فيه على مدار الأيام الماضية. وكان مناسبةً طيبة، أثمرت وستثمر الكثير من الخير لبلادنا.
كما أود في بداية الحديث، أن أنقل إليكم، تحيّات صاحب السيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، ، وأمنياته لهذا الملتقى، أن يُكلل بالنجاح، والتوفيق، وأن يطرح الله البركة فيه، ويوفقنا لما فيه خير الوطن والمواطن.
السيدات والسادة
إننا اليوم نقف على أعتباب مستقبل عريض، لا يمكن الولوج إليه دون الانتباه لأسباب الخلل، وتشخيصها، وتجاوزها. وإننا يجب أن ننظر إلى الوراء مليًا قبل التحرك إلى الأمام، حتى لا نجرب المجرب، وتحيق بنا الندامة.
لقد دخلت بلادنا إلى نفق مظلم، منذ أن قام انقلاب الجبهة القومية الإسلامية في العام ١٩٨٩. لقد كان ذلك الانقلاب صدمةً عميقة في الوجدان السوداني، لأنّه هزّ ثقة الأحزاب السياسية في بعضها إلى الأبد، وأساء إلى الديمقراطية، إساءة بالغة، لازلنا نشكو منها إلى اليوم، وعمّق من الحساسية بين المكوّنات المدنية والعسكرية في بلادنا. خاصةً بعد أن حاول حزب الجبهة إنشاء جيشٍ موازي للجيش الوطني.
ولقد تنوّعت نضالات قادة الأحزاب السياسية، ولكنها اتفقت على حقيقة واحدة، يجب أن نعض عليها بالنواجز. أنّ كل الخطوات السياسية التي تتجه نحو حل الأزمة، يجب أن تتجه نحو الديمقراطية التي تمّ تضييعها، ويجب أن تمضي الخطوات نحو الانتخابات الحرة النزيهة، وصناديقها الصادقة، وأنّ الشعب وخياراته السياسية لا يمكن معرفتها إلا بعدّ البطاقات الانتخابية. لمعرفة الفائز.
إننا إذا عرفنا ذلك الطريق نحو الانتخابات، والتزمنا المنهج السليم، سنقطع دابر الفتنة، وسنضمن المستقبل والاستقرار.
إذن، لقد أصبحت اليوم، بوصلتنا السياسية واضحة: نحن مع كل حلٍ يتجه بالبلاد نحو الانتخابات. إننا نعرف ما نريد، ونعرفه جيدًا، قلناه في جوبا، وقلناه في القاهرة، وقلناه في الخرطوم، وسنقوله إلى يوم تشكيل المفوضيات القومية لإدارة الانتخابات المرجوّة.
نعم، نعرف ما نريده وهو صوت الانتخابات الحرة الديمقراطية، بعد تحقيق شروطها اللازمة.
ونعرف ما لا نريده أيضًا.
نحن لا نريد الإقصاء، والانفراد بالرأي.
لا نريد بعثرة الأحزاب السياسية وشق الكيانات الكبرى.
لا نريد أن يتكرر انقلاب ١٩٨٩ دائمًا. فيتفق حزب سياسي، على تأليب بعض العسكريين، ويقنعهم بالانقلاب على السلطة.
لا نريد أن يُرتَهن الوطن، وخياراته، لخيالات، يمليها الأجنبي على السودان.
حينما رفضنا الانتماءات الأيديولوجية التي تؤدي لضياع المصلحة الوطنية. رفضناها لأنها تؤدي إلى أن يخدم نظام الجبهة، أجندة التنظيمات الإرهابية ذات الولاء العابر للأوطان. ورأينا في ذلك تفريطاً في السيادة الوطنية.
واليوم، نحن نرفض التفريط في السيادة الوطنية، مهما كانت المبررات.
أنّ البلاد لا تحتاج إلى خلق استبداد باسم الحكم المدني، ولا إلى صناعة تحالفات شبه عسكرية، بل تحتاج إلى “حوار صادق يسع الجميع، يكون هدفه الوحيد صيانة الاستقلال وبناء خريطة التنمية” مؤكدًا أنّ البلاد لا تزال تعاني من آثار حكم “تنظيم الإخوان المسلمين وحزب الجبهة الذي أحدث تشوهات عميقة وأدى إلى خلق نعرات عنصرية وتطرفات، لا يمكن علاجها إلا بمواجهة أسبابها، واستعادة الإسلام الصوفي السمح والوسطي”
الحضور الكريم
لقد ظللنا منذ عشرين عام. وسنظل. نرفض إخضاع البلاد لغير أبنائها\، ونرفض التسويات الثنائية التي ضيّعت السودان\، ونرفض التكتلات العدوانية\، ويرفض فرض ثقافات تخالف عادات وتقاليد بلادنا العربية\ ونرفض أن يتم خداعنا باسم لافتات برّاقة ومصطلحات كبيرة.
أصحاب المصلحة، هم أهل الشرق و دارفور و جنوب كردفان و النيل الازرق و كل ربوع السودان
أصحاب المصلحة، ليسوا فئة معيّنة، يختارها مسؤول أممي.
والمصلحة التي نعرفها نحن، هي مصلحة أخلاقية، ومصلحة دينية، ومصلحة وطنية. مصلحة محروسة بالقيم والمثل المتوارثة. وليست بالضرورة المصلحة المادية البحتة.
الحضور الكريم
إننا اليوم، وانطلاقًا من تاريخ بلادنا واتصالاً بالواقع الخطير، فإننا نشد على أيدي الأبناء والأحفاد، والأجيال الراهنة، ونحذرهم من التفريط في استقلال البلاد، والارتهان للقرار الأجنبي. ويجب عليهم التفريق بين الصداقات والتحالفات، وبين التفريط في القرار الوطن، وعلى الجميع حسم الخلافات داخل الإطار الوطني الذي لا يهدد الأمن القومي للبلاد.
الحضور الكريم
إننا نجتمع اليوم في هذه البلاد الطيبة، ونحن نحمل همّ الوطن والمواطن. ونتوحّد في صعيدٍ واحد، لرفض الاستبداد والإقصاء والانفراد بالرأي.
لقد كانت تداولاتنا المطوّلة، فرصةً لاستكشاف الرؤى، والاطمئنان على نجاعة الرأي. والحكمة ضالة المؤمن، هو أحق بها، حيثما وجدها.
إن الترتيبات التي توافقنا عليها، في الفترة الانتقالية الراهنة، استندت في أساسها على الخبرة السودانية الطويلة، وعلى الإرث الوطني، ولازلنا نركز على أهمية أن تكون الفترة الانتقالية، مرحلةً تقود إلى الانتخابات، فتكون كل المهام الموكلة إلى قادتها، مهام انتقالية، مضبوطة، لا تحيد.
الحضور الكريم
من أجل المصلحة الوطنية، يمكننا أن نقترح حكومةً مدنية من الخبراء. قادرة على الحفاظ على مكتسبات الفترة الانتقالية، وعهد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، تلتزم الحوار مع المجتمع الدولي، وقيادة الانتخابات والحفاظ على مهام انتقالية محددة.
وإن كنت بصفةٍ شخصية، أميل إلى أن تقوم الانتخابات، بأسرع ما تيسر، وتشكل حكومة، للحوار مع المجتمع الدولي، والحفاظ على مكتسبات الفترة الانتقالية، وتطويرها.
الحضور الكريم
إن شرقنا الحبيب، يئن، وتحاصره الفتن المحدقة، تهدد إنسانه وخيراته، واليوم قد أحدثنا حالةً طيبة، من الاتفاق، حول القضايا الرئيسية. ونحن نثق أن حكمة الشيوخ وحماس الشباب، سيصدان عن الشرق الحبيب، الفتن. وإننا ملتزمون بالتنمية العادلة، والقرارات التي تعزز التصالح الاجتماعي، ورتق النسيج الاجتماعي، ونقول أنّ الشرق سيقود قاطرة التنمية في البلاد، ولن نرضى له ولأهله إلا بالصدارة، والرضا الكامل، فأنا ابن سيدي الحسن راجل التاكا، ولا أقل من الوفاء لأهله ومحبيه. والاتفاق الذي سنعقده هناك، سيكون محروسًا بتوافقٍ وطني، وإقليمي، مبشّر.
الحضور الكريم
إنّ قضايا السلام، مركزية، ونبني عليها جهودنا، فلا انتخابات بغير حدٍّ أدنى من السلام. ولا تنمية وضبط للغلاء بغير تمديد للهدنة، ووقفٍ للحرب. لذا فقد كان السلام والحفاظ عليه من النقاط التوافقية. ونود أن نؤكد على أهمية أن تلتزم الحكومة بالمواثيق والعهود. وأن يلتزم من يوقع على عهد بالعهد. فهذا هو الأدب السياسي السوداني الصحيح. قبل أن يتشوّه.
الحضور الكريم
إنّ الإعلان السياسي، الذي سيتم إعلانه، هو نتاج حوارات طويلة، ونتاج حديث ظلّ مفتوحًا في السودان وفي هذا المنتدى. وسيبقى مادةً مفتوحة قابلة للتطوير، وندعو الجميع إلى الدخول فيه، وهدفه البسيط هو الوصول بالفترة الانتقالية إلى الانتخابات التي تحسم المشروعية.
الشباب الأعزاء
انتم نصف الحاضر و كل المستقبل لذلك لابد أن تنال قضاياكم الاهتمام اللازم ، و ان تؤمن لكم الفرص الكافية لابراز قدراتكم الكامنة و استقلالها لصالح بناء أجيال تقود وطناً معافى .
الحضور الكريم
اليوم ونحن في غِمار المعركة السياسية، لا يفوتنا الانتباه للخطر الأعم، والتهديد الأخلاقي الذي يستهدف أبناء شعبنا، وقيم مجتمعنا. ولن نتوقف عند مجرد الانتباه، بل علينا العمل على صدّه والتصدي له. وأمامنا اليوم فرصة لوقفه عبر تقوية مؤسسات المناعَة المجتمعية، المتمثلة في الطرق الصوفية، والمؤسسات الثقافية التقليدية، من زوايا وحضرات وأحزاب سياسية. إن لم نتحرك فسنكون عاجزي رأي، ويصح ما يقوله الشاعر:
عاجزُ الرأي مِضيَاعٌ لِفرصته… إذا فاته أمرٌ عاتَب القدرا
إنّ التطرّف الفكري، والإقصاء، والاعتداد بالرأي، والحميّة الجاهلية، والعنصريّة الفجة، والإعجاب بالنفس، والثقة العمياء. كلها أمراض دخيلة على مجتمعنا. لم تظهر إلا بعد أن ساهم النظام السابق في قتال “المجتمع التقليدي”.
إننا نتحلى بالشجاعة الكاملة، لنقول: صحيح، أنّ في بعض صفات مجتمعنا التقليدي، أخطاء، ولكنّ تجاوزها لا يكون بقتل قيم المجتمع، والمراهنة على بدائل تطرفيّة يميناً ويسارًا. هذا غير صحيح، ونتائجه اليوم خطيرة. وإنما القول ما قاله السيد علي الميرغني: “لكل مجتمع خصلتان، حميدة وذميمة، أما الأخيرة فتزول بنور العلم”. ونور العلم تدريجيّ، والتحول إليه بطيء، حتى لا نفقد ما عندنا.
الحضور الكريم
لقد أثبت لنا الحوار السوداني السوداني، أن نصف مشاكلنا تحل بالاستماع لبعضنا البعض. واحترام بعضنا البعض، والتعرف على الثروة التي نملكها. واليوم نحن ندعو كل من لم يحضر الحوار السوداني السوداني، إلى أن يراجع خطوته، ويلتحق بهذا الركب، فإن فيه خير الوطن والمواطن.

التعليقات مغلقة.